بندر الزهراني

الجامعات وبرنامج تنمية القدرات!

السبت - 16 أكتوبر 2021

Sat - 16 Oct 2021

قبل أن أدخل في الحديث عن محاور الشؤون الأكاديمية التي جاءت في الجلسة الحوارية لبرنامج تنمية القدرات البشرية، المنعقدة قبل أسبوعين، لا بد أن أسجل -بكل فخر واعتزاز- تقديري وإعجابي بالعقلية الإدارية الفذة، والنظرة العميقة الثاقبة التي تتمتع بها قيادتنا الرشيدة، وكذلك جسارة الطرح، وروح التحدي، وحب المغامرة، المبنية على الاعتزاز بالمواطن كركيزة أساسية ومعول للنجاح، وعلى إيمان المواطن بنجاحه وثقته في قدراته وطموحاته، فما تقدمه القيادة من رؤى ومبادرات وخطط استراتيجية تدفع معنويا وماديا عجلة النمو قدما، وتمنحها القوة والشرعية، وتعطيها الأسبقية لاختصار مدة النجاح، ومسابقة الزمن لاعتلاء قمة المجد، وبلوغ ذروته بالتميز والإبهار، ولا أدل على ذلك إلا إطلاق ولي العهد -حفظه الله- برنامج تنمية القدرات البشرية كواحد من برامج تحقيق الرؤية.

أربع نقاط مهمة جاءت على لسان وزير التعليم أثناء حديثه في الجلسة الحوارية، وقد شدت انتباهي، وزادت فضولي واهتمامي، ليس لأنها بدت كما لو كانت جديدة، لا، ولكن لأنها جاءت في سياق البرنامج الذي سيجعلها بالفعل جديدة، وهذه النقاط الأربع حين عرضها لم تأت وحدها، بل جاءت ضمن مجموعة كبيرة من المبادرات، ولكن لعلاقتها المباشرة بالتعليم العالي والشأن الأكاديمي سنحاول ما أمكن تسليط الضوء عليها، وهي بلا ترتيب: شراكات البحث والابتكار؛ وصول 6 جامعات للعالمية؛ التعلم مدى الحياة؛ والتأشيرة التعليمية.

شراكات البحث والابتكار مع القطاع الخاص نقطة في غاية الأهمية، ولكن قبل أن نتحدث عن شراكات البحث والابتكار علينا أن نقيم واقع البحث العلمي في كل جامعاتنا، ونقوم ممارساتنا الحالية وتجاربنا السابقة، ثم نعيد ترتيب الأولويات، وعلينا أن نبحث عن قيادات أكاديمية مخلصة، وشغوفة بعملها، لتقود هذه المرحلة، فمسألة الشراكات ليست جديدة، وكثيرون أولئك الذين يدندنون حولها وحواليها، ويستدرون فوائدها لمصالحهم الخاصة، فكم من شراكة تكشفت فكان المتعلقون بحبالها هم من مسؤولي بعض الجامعات!

ألم تقم هيئة مكافحة الفساد في وقت سابق من هذا العام بإيقاف وكيل جامعة لتضخم حساباته البنكية (13 مليونا) وثروته العقارية (19 عقارا) خلال فترة عمله مسؤولا عن مشاريع الجامعة! واتضح أن مصدر تضخم أمواله هو من كيانات تجارية متعاقدة مع الجامعة! بلى قد حدث، وربما يتساءل سائل فيقول: أليس هناك فرق بين الشراكات العلمية والتعاقدات التجارية؟ فنقول: بلى، ولكن أي عقد جر تضخما فهو فساد، وسواء كانت عقود أبحاث تطويرية أو بدلات لجان دائمة أو منحا دراسية أو كراسي علمية أو كانت عقود صيانة وإشراف، الأمر سيان، والفساد -وإن تنوعت طرقه وأساليبه- ملة واحدة!

لا يمكن أن تحدثني عن شراكات مع القطاع الخاص وبعض الإدارات الجامعية ما زالت تدار بعقلية الموظف البسيط الذي ربما قد لا يحسن الحديث العام فضلا عن التفكير والابتكار، أو الموظف الواحد المتلحف بالمركزية في صنع القرار، أو الموظف المؤطر داخل لوائح وأنظمة بيروقراطية لا تخدم فكرة الاستثمار، أي نعم قد تحدث شراكات ورقية للاستهلاك الإعلامي والظهور الشرفي أمام عدسات المصورين وأقلام المتسلقين، ولكنها في الواقع لا تخدم الغرض الأساس، ولا الفائدة المرجو تحقيقها، فكم قد قيل إن هذه الجامعة أو تلك وقعت عقد شراكة أو مذكرة تفاهم مع الشركة أو الجهة الفلانية، لمد جسور التعاون، وحفر أخاديد العلوم وأنفاق المعرفة! كثير وكثير جدا، حتى أصبحنا نسمع جعجعة ولا نرى الطحين!

الشراكات الحقيقية يجب أن تبنى على المصلحة المشتركة لا المجاملة والابتسامات المصطنعة، على المصلحة المادية والعينية للجهات المتشاركة لا الحاجة المعنوية والتشريفية فحسب، ولابد من إعمال قوانين الشفافية والمحاسبة، وتفعيل مبدأ الربح والخسارة، فالحديث هنا عن شراكات استثمارية لا حفلات اجتماعية أو مصاهرات عائلية!

وصول 6 جامعات إلى قائمة أفضل 200 جامعة عالمية عام 2025م و9 جامعات عام 2030م هدف عظيم بلا أدنى شك، ولكن السؤال الأهم من صياغة الهدف هو: كيف سيتم ذلك؟ هل سيكون الوصول لهذا الهدف بمثل ما وصلت به بعض جامعاتنا في السنوات الأخيرة! بمعنى هل مجرد الوصول هو المبتغى والغاية! أم أن الكيفية لها معنى وأهمية! لا يمكن أن نجعل وصول جامعاتنا -وقد قفزت في مراكز التصنيف هكذا فجأة، أو تقدمت بمجهودات يدور حولها كلام كثير- مرجعا نشيد عليه آمالنا وطموحاتنا، فإن كان الوصول المراد به هو مجرد الوصول بكيفما اتفق، فقد حصل، وإن كان الوصول المطلوب غير ذلك، فلا بد من العمل الجاد لتحقيقه، وأول العمل الجاد استخدام الأدوات الصحيحة، وأهم تلكم الأدوات: القيادات الإدارية الجادة والشغوفة بالعمل.

فمن يعتقد أن جامعة محلية جاءت الأولى على المستوى المحلي والإقليمي هي أفضل من جامعة Princeton أو معهد MIT لمجرد أنها تقدمت في التصنيفات، لا أظنه إلا واهما أو جاهلا بالمجال الأكاديمي، ومن يظن أن جامعة ناشئة أشبه ما تكون بثانوية مطورة أصبحت بين عشية وضحاها من أعرق الجامعات فعليه مراجعة مستشفى الصحة النفسية (شهار)، والمسؤول الأكاديمي الذي يقتنع بهذه الإنجازات الشكلية تجاوزه أولى من انتظار نجاحاته الوهمية، فلا مجال للمجاملات على حساب العمل الجاد.

قرار رفع اشتراط العمر ليتمكن المواطن الطموح من استكمال دراسته الجامعية قرار موفق! ويخدم مبادرة التعلم مدى الحياة، وقد يكون أهم قرار يتخذ لصالح تنمية القدرات البشرية، فبرغم أن قرار المنع لم يكن صعب الكسر، ولا مستحيلا، إلا أن الإدارات الجامعية لم تستطع فعل ذلك، لأنها إدارات تقليدية، ولولا إرادة سمو ولي العهد الطموحة والمدركة لحقيقة بناء القدرات لما تغير شيء قط، ولبقي قرار القيد ساري المفعول، والمرجو ألا تعطى الإدارات الجامعية حق تفسير قرار الرفع، خشية ألا تفهم حقيقة المراد منه، أو لا تستطيع استنباط فوائده، فتتشدد وتتعنت كما هي عادتها، وتضع من العراقيل والمعوقات ما يمنع تنمية القدرات واستثمار الطاقات.

التأشيرة التعليمية ليست جديدة هي الأخرى، إلا أن المرونة في منحها للطلاب الدوليين، وتسهيل استصدارها، سيعطي زخما للتنافس، وتنوعا في الخلفية الثقافية لمتلقي المادة العلمية، وستكون رافدا ماليا معقولا للجامعات، بالإضافة إلى أمور سيكولوجية تنعكس على الطلاب أنفسهم، تتعلق بالولاء والمحبة للمكان، واكتساب عادات وطبيعة السكان، وبالتالي مثل هذه الخطوات إن نحن أحسنا استخدامها على هامش الأغراض التعليمية ستكون أدوات ناعمة لتقديم صورة مشرفة عن واقع التعليم العالي والحياة في المملكة.

وصدقوني لولا يقين ولي العهد الراسخ بأهمية دور التعليم والتدريب في تحقيق طموحات شعبه الاستثمارية والتنموية، وسباقه المحموم نحو المجد لتتبوأ بلاده مكانتها القيادية والريادية بين الأمم، ما كان التعليم حجر الأساس، بل كل البناء في برنامجه، برنامج تنمية القدرات البشرية، وإننا في الحقل الأكاديمي ننتظر بشوق وحماس نقلة علمية حقيقية، ومجدا عظيما باهرا، يتحقق بفضل الله وتوفيقه على يد ولي العهد، ونحن معه بقضنا وقضيضنا، جنودا أوفياء في هذا المضمار، وحيثما أراد.

drbmaz@