زيد الفضيل

مرئيات حول معرض الكتاب 2021

السبت - 09 أكتوبر 2021

Sat - 09 Oct 2021

يستشعر من يزور الرياض في الفترة المعاصرة حالة التغيير الجوهري التي باتت ظاهرة في السمت المجتمعي بوجه عام، وحتما فمن كان بها في سنوات ماضية ثم جاء ليزورها في الفترة المعاصرة سيدرك ما أشير إليه بوضوح، وأنا أحد أولئك الذين عاشوا ربيع عمرهم في أروقتها الحياتية والمعرفية، وشارك في عجلة المعرفة بها حضورا ومشاركة وتنظيما، وكان معرض الكتاب الدولي أحد تلك المناسبات التي حفرت في وجداني مكانا وذكرى خالدة، غير أن زيارتي للمعرض اليوم لها نكهتها المختلفة، ومذاقها الوجداني الخاص، وروح الحياة المتجددة.

وكيف لا، والمعرض مواكب في حلته الجديدة لروح التنوير التي ابتدأ خطاها الأمير التنويري محمد بن سلمان برعاية والده عراب الثقافة والمعرفة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله- إذ ما إن يدلف الذهن إلى رواق المعرض الرئيس وتتجول العين يمنة ويسرة، ويتخطف الفؤاد كتاب هنا ودار مشرعة هناك، حتى يستشعر المرء حالة متفردة من الجمال، ليس فيها شيء من قيود الماضي، متطلعة بآفاق متحررة لتحقيق رؤية المستقبل التي نعول عليها كثيرا، لنكون كدولة عربية، ومحور شرق أوسطي، مركزا للنهضة والحضارة الإنسانية في الأعوام القادمة، وهو وعد الأمير الشاب المتطلع محمد بن سلمان، الذي يقود مسيرة التنمية والتحديث في الوقت الراهن.

أعود إلى حيثيات معرض الكتاب الدولي القائم حاليا بالرياض لأشير إلى جانب من جماليات هويته المعاصرة، إذ أكثر ما لفت نظري تلك الأسر ومجموعات الأصدقاء التي جاءت لتقضي يوما جميلا في حياتها، فالمعرض ليس كتابا وحسب، بل هو كرنفال معرفي واسع الأغصان، فمن ندوات ثقافية إلى ورش عمل معرفية، ثم هو صرح ترفيهي استرخائي واسع الجمال مرتبط بواجهة الرياض المذهلة بتخطيطها العمراني الحديث، وسمت مقاهيها المتنوعة ومحالها التجارية، باختصار يمكن للزائر أن يقضي يوما خالدا في ذاكرته، ولعمري فتلك ميزة قلما أجدها في معارض الكتاب العربي الأخرى.

في الجانب الآخر فمن الإنصاف وصدق القول والمحبة ذكر بعض الهنات التي أتصور كمراقب أنها قد واكبت هذا الكرنفال الجميل، وذكري لها من باب معرفة الشوائب لتداركها مستقبلا، وانطلاقا من تلك المقولة العمرية «رحم الله من أهدى إلي عيوبي».

في البدء أشير إلى أن كثرة الفعاليات الثقافية في محفل كبير ليس قيمة إيجابية على الدوام، ذلك أن أوقاتها ستكون متداخلة، وهو ما ينعكس سلبا على الفعالية نفسها، ويؤدي إلى تشتيت ساحة الحضور بين محاضرة هنا وورشة هناك، وأضرب مثلا على ذلك بموعد محاضرتي التي كان متوافقا معها في اليوم والساعة قرابة خمس فعاليات أخرى، وكلها جديرة بأن يستمع إليها، مع أن أربعا منها تقريبا كانت في موضوع واحد محوره وعنوانه الرئيس هو الفلسفة، وهو خلل تنظيمي أيضا من وجهة نظري.

وبحكم تعدد الفعاليات وكثرتها فقد اضطر المنظمون إلى إيجاد مقرات لها بأي صورة كانت، وحتما فبعضها لم تتجاوز مساحته الثلاثين مترا مربعا تقريبا، والبعض الآخر وإن كبرت مساحة قاعتها إلا أنها كانت بجوار فعالية أخرى للأطفال، وطبيعي أن يكون صوت الأطفال وبهجتهم عاليا ليشتت انتباه من حضر تلك الورشة المجاورة لهم، وهو خلل تنظيمي أيضا يجب تفاديه مستقبلا.

وفي السياق ذاته أجدها فرصة لبث ضيق المثقف المشارك في فعاليات المعرض، الذي تجشم عناء تحضير ورقته، وفرح بتواجده في أروقة هذا الكرنفال، لكن ذلك لم يكن سوى لساعات بسيطة، فدعوته لم تتجاوز الأربع والعشرين ساعة شاملة السفر والوصول وتقديم ورقته ثم المغادرة، وهو أمر لا يستقيم شكلا ومعنى، ناهيك عن حالة التمايز في سكن الضيوف المدعوين المشاركين، وهو ما أرجو تدخل وزارة الثقافة فيه مستقبلا، فما هكذا يكون تكريم المثقف في كرنفاله المعرفي.

على صعيد تخطيط المعرض فقد كان واضحا حالة اللبس لدى المنظمين، حيث اقتصر المعرض على رواق واحد رئيس ودون أن تتفرع منه أروقة متقاطعة كما هو المعتاد، بل إن بعض مسارات المعرض مغلقة في داخلها وضيقة في مساحتها، ناهيك عن بعثرة الدور بعضها مع بعض دون مراعات لجنسية الدار وتخصصها.

أشير ختاما إلى أننا نملك تجربة ثرية وجيدة في تنظيم معارض الكتاب وترسيم فعالياته الثقافية، ومن الطبيعي أن يتم الاستفادة من تلك التجارب السابقة، انطلاقا من أهمية تعزيز مفهوم التتابع الحضاري، وهو هدف كل الشعوب المتقدمة الراغبة في تجسير ما وصلت إليه من تطور ونمو بما سبق، إيمانا منها بأن الحضارة وعي قائم على تعزيز التراكم في التجربة والمعرفة.

zash113@