محمد الأحمدي

أزمة الوقود مداعبة سياسية ناعمة

الثلاثاء - 05 أكتوبر 2021

Tue - 05 Oct 2021

طيلة هذا الأسبوع وصناع الرأي العام البريطاني يحاولون أن يقنعوا المجتمع بأن أزمة الوقود بسبب النقص الحاد في سائقي الشاحنات، وليس بسبب النقص في المخزون الاستراتيجي أو غيره، وبغض النظر عن أسباب هذا النقص وتداعياته السياسية والاقتصادية فإن سلاسل الإمداد والتوزيع الداخلي البريطانية القائمة على النقل البري تواجه تحديات كثيرة تعصف بها بين الفينة والأخرى بدءا من لتر الحليب إلى لتر الديزل اليومي.

سبق أن أدت العاصفة الثلجية عام 2017 التي استمرت ثلاثة أيام متواصلة إلى انقطاع سلاسل الإمداد والتوريد من المستودعات المركزية إلى المدن والقرى، مما نتج عنها نقص حاد في المواد الغذائية. ثم تكرر الحدث مرة أخرى مع اندفاع الجماهير في 2020 نحو التسوق الحاد في أزمة سميت بأزمة محارم التنظيف، وأشار ذلك إلى عدم قدرة سلاسل التوريد والإمداد لمواجهة هذه الموجة المندفعة من المجتمع، والوفاء برغبتها في الشراء الاندفاعي الذي تعبر به عن غضبها تجاه السياسية البريطانية آنذاك في التعامل مع الجائحة.

وهذا الأسبوع تعود أزمة توريد وإمداد الوقود إلى المشهد لكن تأتي في وقت تكافح فيه الحكومة لإزالته أو تقليل استخدامه من الواقع بكافة الطرق. وبغض النظر عن مسببات الحدث إلا أن من واقع السياسة البريطانية أن تسخر الحدث لمصالحها العامة، وبالتالي فإن أزمة الوقود البريطانية الحالية هي جرس إنذار ليعيد المجتمع التفكير في وسائل المواصلات القائمة على الوقود الأحفوري في ظل خطة الحكومة التي تسعى لمنع بيع السيارات المعتمدة عليه في 2030، وربما تمنع استخدامها في 2040، حتى تقلل انبعاث الكربون الذي ترغب أن يصل إلى 68% بحلول 2030م.

ومن جانب آخر تأتي هذه الأزمة قبيل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ المزمع عقده في نوفمبر بمدينة جلاسكو الأسكتلندية، والذي قد ينتج عنه سياسة طويلة المدى للتصدي لتغير المناخ، ومنها التوسع في السيارات الكهربائية، ومحاربة الوقود الأحفوري، ورفع الضريبة على المنتجات المتعلقة به وإلى آخره مما قد ينتجه المؤتمر من توصيات. فبأي حال من الأحول فالأزمة حافزة للمجتمع المدني الداخلي والخارجي بأن يوجه أنظاره نحو قمة المناخ القادمة.

وفي لمحة خاطفة على ظاهرة الاحتباس الحراري فإن قمة الأرض التي عقدت في ريو دي جانيرو عام 1992م، رسخت مبدأ تغير المناخ في الأمم المتحدة، وألزمت الدول بعقد اجتماعات منتظمة لمناقشته، واتفقت في باريس على ما يعرف باتفاقية باريس للحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب، والمحافظة على مستويات ما قبل عصر الصناعة أو على الأقل ألا تتخطى درجة حرارة الأرض 1.5 مئوية.

وعلى هذا فقد بدأت المملكة المتحدة منذ ذلك الحين في استثمار الأفكار القديمة والحديثة التي تنتج طاقة بديلة عن الوقود الأحفوري: كأفكار الألماني أوتو هان مكتشف طاقة النيوترونات 1938، وفكرة الفرنسي إدموند بيركل صاحب الخلية الشمسية في 1839م، ومشروع الفرنسي بينوا فورنيون مطور التوربينات الكهربائية، وخبرة جيمس بليث في تحويل طاقة الرياح إلى طاقة لتشغيل المنازل كما فعل بمنزله في ماريكيرك الأسكتلندية في 1887م؛ لتحول بحر الشمال ومصبات نهر التايمز إلى مصدر لطاقة الرياح التي جعلتها من الدول العشر المنتجة لها. وبهذا تحقق الحكومة الهدف المتفق عليه في قمة الأرض الذي يعتقد بأن الحل الرئيس لأزمة المناخ هو استخدام التكنولوجيا الذكية، والطاقة البديلة.

اليوم، لا يجهل قائد المركبة ذات الوقود الأحفوري قرارات الحكومة البريطانية الحادة عليه سواء بفرض رسوم التلوث البيئي، أو من خلال توجيه الدعم والتسهيلات لمقتني السيارات الكهربائية التي تصل إلى 2500 جنيه استرليني، أو الاستثمار في مسارات المشاة والدراجات على حساب طرق السيارات. كل هذا وغيره من أجل دفع الجمهور سواء بالتحفيز أو الضغط الاقتصادي للتخلي عن السيارات، على سبيل المثال تتراوح رسوم استخدام السيارات الصغيرة في لندن ما بين 15- 27.5 استرليني؛ ومبلغ من 100 إلى 300 جنيه استرليني على الشاحنات يوميا.

أن تحمل مبلغ 450 جنيه استرليني شهريا ما يعادل 2250 ريالا سعوديا كرسوم ضريبية إضافية على تحرك السيارة الصغيرة في العاصمة كفيل بأن يجعل أصحابها يبحثون عن بدائل مختلفة، لا سيما أن الحكومة تعتقد أن هذا التحول نحو السيارات الكهربائية يخلق فرصا وظيفية جديدة نوعية في الداخل البريطاني من المهندسين، وعلماء البيانات، ومشغلي الأنظمة، بالإضافة إلى أنها تكون رائدة في استثمار خبرتها في هذا المجال للعالم، لتبقى رائدة في مشروع الطاقة البديلة، وبهذا تحاول أن يصبح النفط سلعة غير رئيسة للعالم بقوة التكنولوجيا الذكية كما أصبح الفحم الذي كان نفط أوروبا في قرون ما قبل الصناعة، شيئا من الماضي.

alahmadim2010@