أحمد محمد الألمعي

لماذا نحمي معلومات المرضى الطبية والنفسية؟

السبت - 02 أكتوبر 2021

Sat - 02 Oct 2021

خلال أكثر من ثلاثين عاما من عملي كطبيب نفسي، لم أر المراجعين من المرضى الكبار والصغار أكثر حذرا من مراجعتهم للطبيب النفسي، ولذلك أسباب عدة منها الوصمة الاجتماعية، ولكن هناك سببا آخر مهما يتكرر في عدة مناسبات ويتجلى في سؤال الأسرة وهو «هل هذه الزيارة ستؤثر على مستقبل ابني يا دكتور؟» وإذا كان موظفا يكون السؤال عن إمكانية وصول المعلومات لجهة العمل أو اطلاع الأهل والأقارب على تفاصيل العلاج، وتقلق الأسر من وجود ملف علاج نفسي على فرص الفتاة في الزواج!، أو أن تكون منبوذة اجتماعيا؛ لأنها راجعت طبيبا نفسيا!

ويعتقد السائلون أحيانا اعتقادا جازما أن معلوماتهم الطبية والنفسية متوفرة لكل سائل، بصرف النظر عن الجهة أو الشخصية وصلة القرابة، ونتيجة لذلك الاعتقاد يتجنبون الذهاب للطبيب النفسي ويفضلون الاستمرار في المعاناة، والتي تؤدي في أحيان كثيرة إلى انخفاض في الأداء الوظيفي وقد تكون سببا في فقدان الوظيفة بسبب الغياب أو انخفاض الأداء في المدرسة أو الجامعة والنتيجة كارثية، وقد يقود المرض إلى استعمال المخدرات كنوع من أنواع العلاج الذي يلجأ له المرضى يائسين لتخفيف أعراضهم، ورأيت الأعراض تتفاقم في الشاب أو الفتاة المقبلين على الزواج مؤديا إلى مضاعفات في الأعراض، وفشل الزواج بعد مدة قصيرة منتهيا بالطلاق، وأنا أتحدث هنا عن قصص فعلية وتجارب مررت بها كطبيب نفسي على مدى السنوات، فهل معلومات المريض الطبية والنفسية سرية؟ وهل هي محمية من النشر لكل من «هب ودب» سواء أفراد أو جهات عمل؟ وهل هناك نظام لسرية معلومات المريض؟ وأخيرا هل هناك أهمية لحماية معلومات المريض أيا كانت؟ وللجواب على تلك الأسئلة يجب علينا معرفة طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض.

تنشأ العلاقة بين الطبيب والمريض بمجرد اتصال مريض بالطبيب أول مرة في إطار منشأة أو موقع طبي كعيادة أو منصة اتصال وعلاج طبي مرخصة من الجهات المعنية، وقد تكون هذه العلاقة مؤقتة بحدود الزمان والمكان ‏كأن يقابل الطبيب مرة في العيادة أو الطوارئ مثلا ثم تنتقل رعاية المريض إلى طبيب آخر في مكان آخر، وقد تمتد العلاقة عبر حياة المريض كلها عندما يكون المريض مسجلا مع طبيب الأسرة مثلا الذي يقوم بالرعاية الطبية طوال حياته، وسواء أن طال أمد العلاقة أو قصر فإن كلا الطرفين المريض والطبيب معنيان بجودة هذه العلاقة واستمرارها في إطار مهني.

‏وتتميز علاقة الطبيب بالمريض أنها علاقة إنسانية، يضع من خلالها المريض ثقته في الطبيب ويشترك معه في اتخاذ القرارات الطبية وعمل إجراءات لها أثر مباشر في صحته وحياته، ‏ومن هنا جاءت أهمية هذه العلاقة وأهمية وضع أطر أخلاقية تحكمها وتحكم مسيرتها، والعلاقات الإنسانية من هذا النوع قد تتأثر بعوامل كثيرة تتعدى حدود العلاقة المباشرة بين الطرفين في البيئة العامة التي يوجد فيها المريض والأشخاص الآخرون الذين يقابلهم ويتعامل معهم، ونظام المؤسسة الصحية التي يعمل من خلالها الطبيب كلها يمكن أن تؤثر سلبا أو إيجابا على هذه العلاقة.

وهذه العلاقة من حيث الأصل قائمة على الثقة يقوم فيها الطبيب بدور الوكيل عن المريض في أحيان كثيرة في اتخاذ القرارات ونصح المريض وتنفيذها ولذلك تقع على الطبيب مسؤولية في حماية سرية معلومات المريض أيا كانت طبيعتها، فجوابنا عادة لمن يسأل عن حالة مريض وليس لديه تفويض طبي كتابي من المريض هو «أننا لا نعرف المريض»، ولكن هناك حالات معينة يجب فيها التصريح بحالة المريض، ومنها أن يكون الطبيب فيها على علم بأن المريض سيقوم بارتكاب جريمة أيا كانت؛ فيجب التواصل مع الجهات المعنية لحماية أرواح الناس، ويندرج ذلك ضمن قوانين متعارف عليها عالميا ومحليا في المملكة العربية السعودية مع وجود اختلافات بين الدول في تفاصيلها.

الأساس أن معلومات المريض البالغ العاقل لا يمكن الإفصاح عنها لأي فرد أو جهة إلا بموافقة خطية موقعة من المريض في المنشأة الصحية، كأن يطلب المريض تقريرا طبيا لتقديمه لجهة عمله أو للشؤون الاجتماعية أو جهات طبية أخرى بهدف العلاج مثلا، ويمكن لوالدي القاصرين من الشباب أو الفتيات الاطلاع على معلومات أبنائهم وبناتهم القصر تحت سن 18، ولكن هناك حدودا وقيودا ضيقة لإفشاء محتوى جلسات العلاج النفسي للوالدين؛ لأن التصريح بها للوالدين سيدمرعلاقة الثقة بين المعالج والمريض والتي يتطلب بناؤها عدة زيارات وقد ينهي فعليا أي أمل في تحقيق أي تقدم علاجي؛ لأن المريض سيتوقف عن التصريح بأي معلومات للمعالج لخوفه من إيصالها للوالدين أو أشخاص آخرين. هناك استثناءات أخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها وتشمل التخلف العقلي الشديد المثبت قانونيا.

هل هناك عقوبة لإفشاء معلومات المريض؟ الجواب هو نعم فهناك عقوبات قاسية من قبل المؤسسات الصحية ووزارة الصحة بحق أي ممارس صحي يفشي معلومات المريض لأي جهة لم يوافق عليها المريض، ويتم التبليغ عن ذلك من خلال المنشأة الصحية ووزارة الصحة، وقد يكون هناك تبعات قانونية تشمل إيقاف الممارس الصحي عن العمل أو فقدان الترخيص وغرامات مالية.

@almaiahmad2