أروى الزهراني

صحافة الطفل بين الواقع والمرغوب!

السبت - 02 أكتوبر 2021

Sat - 02 Oct 2021

منذ فترة قريبة وفي خضم مهامي الدراسية وأنا في طور تحليل محتوى مجلة الطفل كمادة صحفية متخصصة بالأطفال لفتت انتباهي الفجوة المؤلمة بين ما كنا نتلقاه كمادة أساسية في تنشئتنا جنبا إلى جنب مع البيت والمدرسة وما بين الواقع الآن، والذي يندر فيه أن نشهد مجموعة أطفال تتوجه لمجلة طفل أو تقبل بكامل الاقتناع نحو صحافة الأطفال كما كنا نفعل!

ترى أين الخلل!

هل هذا التغير الهائل في العصر صير من أطفالنا كيانات تختلف في تكوينها عن أطفال الماضي فلا تستثيرها المادة؟ هل الدور الذي لعبته صحافة الطفل آنذاك انطفأ وهجه فلم يعد للمجال قدرة على التفرد! أم أننا نشترك جميعا في إثم هذا اليتم الحقيقي بخصوص رافد أخلاقي وثقافي وديني ملائم لأطفالنا مثلما يجب!

لقد ساءني حال صحافة الطفل لدينا مع أن أدب الأطفال يتميز ولكنه يبعد كل البعد عن عنصر التفاعلية التي كانت تضمنها صحافة الأطفال بين القارئ والمجلة وما بين القراء بعضهم ببعض، يخاطب وجهة محددة يستقي منها الطفل منفعته فيها دون بقية الجوانب المهمة.

مئات البحوث في تحليلها لمضامين المجلات الباقية تنازع بقاءها حتى الآن قد وجدت فجوة في المضمون، قصورا في التوجه، سلبية في الإبداع، ولا يخلو الأمر من توجهات تواكب عولمة الوقت وما وصلنا له من طقوس «لم نكن نعترف بها من قبل ولكنها أضحت في عرف أطفالنا عادة وسلوكا!»

المتابع لمجلات الطفولة يشهد دورها الأساسي في بناء الطفل معنويا ونفسيا ودينيا وأخلاقيا واجتماعيا، لقد تميزت المجلة الموجهة للأطفال منذ صدورها في تدعيم الأسس القويمة ومساعدة الأهل في ترسيخها لدى الطفل، لم يكن دورها هامشيا كما الآن، أتذكر كم القصص التي نشأت عليها وأنا ألاحق فيها قيمة تلو الأخرى لم يختف وقعها في نفسي قط.

لا يخلو الحاضر من مجلات تخاطب الأطفال، ولكن يندر أن تخاطبه بعقليته الرقمية الحالية التي تجعله يشترك في صنع المحتوى بعيدا عما كانت عليه سابقا؛ فطفل الآن طفل رقمي بحت، على عكس طفل الماضي الهادئ الصبور الذي تحفزه أساليب فنية عميقة في بنائها وتصويرها ولا ينفك يحاول وتجذبه فكرة الإبداع، طفل الآن يتخيل ولا يبدع بتوجيه صائب، يتخبط إلا من رحم ربي، يطبق ما يحلو له وتغلب على تنفيذه العدوانية، طفل الآن لا يميل لقراءة القصص ولا لكتابتها، يميل لصنع المشهد الحي الذي يشترك في تجسيده ومعالمه وتصويره بدقة عالية تناسب رغبته في إثبات نفسه على عكس طفل الماضي الذي يميل لتأليف القصص والإسهام في إثرائها بالأحداث ويندر أن يرغب الولوج في حدث هو يصنعه!

وحتى نتمكن من فعلها بجدارة تحاكي جدارة الماضي وتأثيراتها في عمق الطفل لا بد من مشاطرة هذه العقلية أبعادها ومخيلاتها وتصوراتها للأشياء، علينا صقل هذه المادة من رأسه بالاستعانة بقدرات المختص جملة وتفصيلا بالطفولة وأدبها وصحافتها ومحتواها، آملين أن نبني مثالا لقيمة تلو قيمة كتلك التي كبرنا على أساسها ولم ننس قط!

مئات القيم لم تعد موجودة، وإن وجدت فإن التأكيد عليها في قالب يتناسب مع عقلية الطفل الرقمي يكاد يكون معدوما؛ فلا نجد قيمة تتجسد في قصة متواضعة باهتة التفاصيل إلا وقد تم تهميشها من قبل أن تبدأ بضحكة استهزاء واعتراض!

لا يلام أطفالنا على هذا الرفض؛ فتقديم مادة طفولية لعقلية طفل الآن بأدوات طفل الماضي لن يحدث الهدف الأسمى من صحافة الطفل بل يتسبب في تكوين صورة نمطية لدى الطفل تترسخ فيه فلا يعد يطيق مجلات الطفل ولا يصدقها!

نظرة واحدة على أولئك الذين يتخذهم أطفالنا قدوة ومثالا أعلى يطبقون سلوكياته في واقعهم تكفي لنفهم الخلل الذي تعانيه محيطات مادة الطفل وإعلامه.

أحيي الاجتهادات الموجودة بخصوص إعلام الطفل، أتنحى دائما عن مسلك الاتهام دون أن أنصف الموجود وأعلي شأن المميز رغم وجود العقبات ولنا في مجلة كمجلة ماجد خير مثال على المثابرة في البقاء وفق اشتراطات العصر، ولكني أعتب على القائمين عليها ندرة وصولها لأكبر عدد ممكن من الأطفال، صار من الصعب اقتنائها وهي بالسعر الذي يشكل لدى البعض أزمة، ينبغي أن يعتني إعلامنا بهذا الكيان الذي يشكل بنية المجتمع وصلاحه ونجاحه وتشريفاته، دون أن يغفل عن وجوب ترميم صانعي محتوى الطفولة من كادر وإدارة وإخراج ليتسنى لأطفالنا عيش الطفولة كما يجب، بعيدا عما يحدث في حق طفولتهم الآن ولا نملك بشأنه رادعا!

@zahrani_arwa1