طلال الشريف

عقلية النمو والازدهار

الاثنين - 20 سبتمبر 2021

Mon - 20 Sep 2021

الباحثة والطبيبة النفسية في جامعة ستانفورد «كارول دويك» ذكرت في كتابها «العقليات» أن عقلية الإنسان أداة قوية لتحقيق التغيير في السلوك، وحددت نوعين رئيسيين من العقلية هما: عقلية النمو والعقلية الثابتة، عقلية النمو تعني الإيمان بقدرتنا على تطوير مواهبنا وقدراتنا بشكل أكبر من خلال العمل الجاد والرغبة في التعلم وتقبل الملاحظات، والعقلية الثابتة لا تؤمن بتغيير الكفاءات والقدرات، وهي أقل انفتاحا على التعلم وأشد مقاومة للاستماع إلى الملاحظات.

وذكرت «نيكول غيرتون» خبيرة تغيير السلوك في برنامج مايو كلينك للحياة الصحية أنها تستخدم الأفكار المتعلقة بعقلية النمو لمساعدة الأشخاص، وأثبتت فاعليتها الكبرى في تغيير السلوك وتعزيز الانجازات وتحقيق الأهداف، وأشارت إلى أن كلا منا يتمتع بمزيج من عقلية النمو والعقلية الثابتة على حد سواء، ولكن الأهم من ذلك هو أن العقلية التي نتبناها أكثر هي التي تترسخ في عقولنا.

عقلية النمو سريعة التطور، ومذهلة ولا تتوقف عن الاستمرار في النمو، وتبحث بشكل دائم عن مختلف الطرق التي تساعدها على النمو بصفة مستمرة حتى في أقل الإمكانيات، مع الثقة بذاتها والتزامها الشديد وانضباطها وانفتاحها وقبولها للتحديات، واستمتاعها بالتعامل معها، وتحمي من الثبات الذي يمنع التغيير والتطور المستمر.

وعقلية النمو والازدهار هي ما نحتاجه اليوم مع إطلاق البرنامج الوطني لتنمية القدرات البشرية والذي يركز كما نصت عليه وثيقة البرنامج على تعزيز القيم وتنمية المعارف وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل واغتنام الفرص التي توفرها الاحتياجات المتجددة والمتسارعة، على المستويين المحلي والعالمي في مختلف المجالات مما يمكن المواطن من المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية محليا والمنافسة في سوق العمل عالميا.

وعليه، هل يمكننا تطوير عقلية النمو؟ وهل يمكننا تغيير العقلية الثابتة إلى عقلية النمو؟ وكيف يكون ذلك؟ نستطيع دون شك من خلال عمليات التعلم والتعليم الجاد والتدريب، وإعادة التأهيل المستمر لقدراتنا وإمكاناتنا، وبطرق وأساليب متنوعة أهمها: الإيمان بأن العقل قابل للتغيير والتطور بصفة مستمرة، والاعتقاد الجازم بعقلية النمو ودورها الفاعل في رفاهية الإنسان، والاستعداد لتغيير معتقداتنا والتحول نحو عقلية النمو أو تطويرها إن وجدت، ووضع الأهداف القريبة والبعيدة بقراءة صحيحة لواقعنا ومستقبلنا، واختيار الأسلوب التعليمي والتدريبي المناسب لشخصياتنا وأفضل الطرق التي نتعلم بها وتعزيز دوافعنا للتعلم والتعليم على المدى الطويل، والتشخيص الدقيق لذواتنا بمعرفة نقاط قوتنا وضعفنا والاعتراف بها والتعامل معها بكل مصداقية، وتقبل الانتقادات والملاحظات والآراء المغايرة لآرائنا، والتركيز على الفرص المتاحة لنا أكثر من التحديات، وتكوين مجموعة من العلاقات مع الأشخاص المتسمين بعقلية النمو، والتقليل من اهتمامنا بالآخرين أو البحث عن رضاهم أو المقارنة معهم، وتقدير إنجازاتنا الشخصية ومكافأة أنفسنا عليها، وجعل الفشل فرصة لتعلمنا وليس نهاية له، وأخيرا عدم التوقف عن التعلم مدى الحياة.

إن المسؤولية الكبرى في نجاحنا وتحقيقنا لمبادرات برنامج تنمية القدرات البشرية تقع بالدرجة الأولى على عاتق التعليم كمنظومة متكاملة ما بين التعليم العام والجامعي والتقني والمهني، كونها المنظومة المعنية بتنفيذ معظم المبادرات التسعة والثمانين كما نصت عليه وثيقة البرنامج، وهو تحد بمقدور منظومة التعليم تحويله إلى فرصة حقيقية لتغيير كثير من أنماط تفكيرنا واعتقاداتنا وممارساتنا وسلوكياتنا تجاه التعليم والتدريب والعمل والحياة على وجه العموم، والعمل الدقيق على تحويل هذه المبادرات إلى برامج عمل تنفيذية على كافة المستويات.

ويتطلب النجاح في تنفيذ هذا البرنامج على مستوى الوزارة عملا تخطيطيا وتنفيذيا وتقويميا تفصيليا من نوع خاص ومختلفا لضخامته وأهميته على المدى الطويل، ويستلزم بالضرورة التهيئة والاستعداد النوعي للقيادات والقائمين على البرامج التنفيذية في مختلف المنظومات التعليمية، وتوفير المتطلبات البشرية والمادية الكافية، وإنشاء إدارات ووحدات وهيئات تنسيقية على مستوى منظومة التعليم تتكامل في ما بينها لتحقيق مستهدفات البرنامج على أرض الواقع ليشعر كل متعلم بملامسته لتلك المستهدفات وأثرها على مستوى معارفه ومهاراته وقدراته بعيدا عن الأداء الروتيني السلبي.

drAlshreefTalal@