مسلسل تلفزيوني يفضح خلافات الملالي

رانيا مكرم: كاندو كشف فساد المسؤولين في عهد حسن روحاني عمل مخابراتي يصف المعارضة والمختلفين مع النظام بأنهم خونة جواسيس إيرانيون بين الفريق التفاوضي بشأن الملف النووي مع العرب فورين بوليسي: شقيق رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري وراء العمل وصف عراقجي بالخائن وروانجي بالمتخاذل الباحث عن مصالحه الشخصية
رانيا مكرم: كاندو كشف فساد المسؤولين في عهد حسن روحاني عمل مخابراتي يصف المعارضة والمختلفين مع النظام بأنهم خونة جواسيس إيرانيون بين الفريق التفاوضي بشأن الملف النووي مع العرب فورين بوليسي: شقيق رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري وراء العمل وصف عراقجي بالخائن وروانجي بالمتخاذل الباحث عن مصالحه الشخصية

الاثنين - 20 سبتمبر 2021

Mon - 20 Sep 2021

فضح المسلسل البوليسي الفارسي «كاندو» الخلافات السياسية العميقة داخل نظام الملالي في إيران، وعرض بصورة غير مسبوقة فساد عدد من المسؤولين في عهد الرئيس السابق حسن روحاني.

وقالت الباحثة في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية رانيا مكرم «المسلسل عكس في كثير من مشاهده ليس فقط الخلاف بين التيار المتشدد والتيار الإصلاحي ممثلا في مؤسسات الدولة التي يسيطر عليها الطرفان، بل عكس التنافض الذي يعتري المجتمع الإيراني، فللوهلة الأولى يلاحظ المشاهد البذخ الذي تعيش فيه النخب الحاكمة، حتى أن مباني مساكنهم تشبه تلك المباني التي تحتوي على الشقق الفندقية التي تظهر في أفلام هوليود، وتختلف أحياؤهم السكنية في تنظيمها وحداثتها عن تلك التي يقطنها باقي أفراد الشعب، على الرغم من الشعارات التي يرفعها النظام، في حين يعيش ما يقارب من نصف السكان في حالة فقر شديد».

سيناريوهان

وفقا للباحثة المصرية «تكتسب الدراما وضعا خاصا في الداخل الإيراني، وعادة ما يتم توظيفها لأهداف سياسية واجتماعية، نظرا لاحتكار مجال الإنتاج من قبل مؤسسات النظام، وفي ظل الرقابة المشددة والمتشددة مع ما تقدمه هذه الدراما من محتوى، وقد فرضت تلك البيئة الخانقة للقائمين على صناعة الدراما في البلاد، سيناريوهين لا ثالث لهما، أولهما الاتجاه للخارج والعمل في هذا المجال بعيدا عن سلطة وتسلط الأجهزة الرقابية، أو العمل حسب توجهات النظام وقيوده في الداخل».

وتضيف «هذا المشهد جاء مسلسل «كاندو» ذو الإطار البوليسي التشويقي ليثير جدلا غير مسبوق في إيران مع عرض أول حلقة في موسمه الثاني في شهر يونيو 2021، حيث واصل المسلسل الجدل الذي تسبب فيه مع عرض موسمه الأول الذي عرض عام 2019، ولا سيما في ظل الضبابية التي فرضت حول ممولي المسلسل، والمسؤولين عن خروجه بهذا الشكل في الوقت الذي يعاني فيه قطاع الإنتاج الدرامي من نقص الأموال اللازمة لنمو القطاع واستمراره».

سياسيون خونة

وتشير إلى أن مسلسل «كاندو» الذي يعني بالفارسية تمساح إيراني صغير الحجم لكنه شرس، أكثر الأعمال الدرامية في إيران إثارة للجدل، بسبب ما ظهر في المسلسل من انتقادات صريحة وواضحة للحكومة الإيرانية السابقة بقيادة الرئيس حسن روحاني، وتناولها للعديد من الشخصيات السياسية البارزة بالتشويه، وبشكل مغاير للتناول الدرامي التقليدي السابق لمعارضي النظام ورافضي سياساته، حيث اعتادت الأعمال الدرامية على تصويرهم على أنهم خونة وتابعين للغرب.

لكن في مسلسل «گاندو» انتقل هذا التناول إلى مستوى جديد من تمجيد مؤسسات النظام، واستعراض قوة الدولة العميقة، في مواجهة هؤلاء، وإظهار مسؤولي التيار الإصلاحي الذين سيطروا علي الأجهزة التنفيذية في البلاد، بالضعفاء والمنحازين للغرب ومنقوصي الخبرة في إدارة الدولة.

جواسيس إيران

وفيما تناول المسلسل في موسمه الأول جهود أجهزة الاستخبارات الإيرانية في التصدي لممارسات الاستخبارات الأمريكية، ركز في الموسم الثاني حيث خصصه القائمون على المسلسل لعرض ممارسات الاستخبارات البريطانية ومحاولات الاستخبارات الإيرانية الحيلولة دون تنفيذ مخططاتها ضد إيران.

ويشير المسلسل في هذا الإطار إلى وجود علاقة وطيدة بين بعض هؤلاء الجواسيس، ومسؤولي الحكومة السابقة، ومحاولات وزارة الخارجية إحباط عمليات اعتقالهم، بل وأشار المسلسل إلى وجود جاسوس بين أعضاء الفريق التفاوضي بشأن الملف النووي مع الغرب.

وتقول الباحثة «بالرغم من عرض المسلسل من قبل التلفزيون الرسمي للبلاد وعبر قناته الثالثة، فإن ضبابية فرضت على مصدر تمويله وجهة إنتاجه الحقيقية، حيث أثيرت تساؤلات حول الإنتاج الضخم الذي خرج من خلاله المسلسل الذي تم تصويره في إيران وتركيا والصين، وشارك فيه أكثر من 140 ممثلا، كما شارك فيه ممثلون أتراك وصينيون، في ظل الأزمات التي تعانيها قطاعات الإنتاج الدرامي والسينمائي في البلاد».

إنتاج الحرس

وأكدت مجلة فورين بوليسي في مقال حديث، إلى أن المسلسل «الدعائي» لمؤسسات الدولة العميقة، قد تم إنتاجه برعاية الحرس الثوري من قبل معهد «شهيد أفيني» الفني الثقافي، الذي يشغل فيه مهدي طائب، شقيق حسين طائب رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري، منصب نائب الرئيس، فيما يعد مهدي طائب أشد منتقدي الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني. وهو ما يفسر إلى حد ما كم الهجوم الذي احتواه المسلسل للحكومة والرئيس السابقين.

وقد عكس المسلسل في كثير من مشاهده ليس فقط الخلاف بين التيار المتشدد والتيار الإصلاحي متمثلا في مؤسسات الدولة التي يسيطر عليها الطرفان، وإنما أيضا عكس إلى حد كبير التناقض الذي يعتري المجتمع الإيراني، فللوهلة الأولى يلاحظ المشاهد البذخ الذي تعيش فيه النخب الحاكمة، حتى أن مباني مساكنهم تشبه تلك المباني التي تحتوي على الشقق الفندقية التي تظهر في أفلام هوليود، وتختلف أحياؤهم السكنية في تنظيمها وحداثتها عن تلك التي يقطنها باقي أفراد الشعب، على الرغم من الشعارات التي يرفعها النظام.

فضائح المفاوضين

وفضح المسلسل الخلاف داخل المجتمع الإيراني حول قضايا سياسية كبرى بين التيار الإصلاحي والتيار المحافظ من ناحية، وبين النخبة والمجتمع من ناحية أخرى.

وركز المسلسل على 4 قضايا رئيسة أولها، سياسة التفاوض مع الغرب، حيث عكس المسلسل الخلاف النخبوي حول طريقة تفاوض المسؤولين الإيرانيين مع الغرب، من خلال مشاهد تنتقد أداء فريق إيران التفاوضي خلال محادثات الاتفاق النووي، الذي أبرم عام 2015، وتتهمه بتقديم تنازلات تضر بمصالح إيران، والانسياق لضغوط الغرب.

وتزايد الجدل بشكل كبير حول المسلسل عقب عرض الحلقة السادسة منه، والتي أظهرت وجود جاسوس ضمن الفريق الإيراني المفاوض في البرنامج النووي مع الغرب، كما ظهر أحد أعضاء فريق التفاوض أطلق عليه اسم «صابونجي» - وهو اسم مشابه لاسم عضوين بارزين من أعضاء فريق التفاوض، هما عباس عراقجي (الذي تمت إقالته في 14 سبتمبر 2021 وتعيين على باقري كني محله) ومجيد تخت روانجي، في دور متخاذل ولا يكترث بمصالح البلاد، وإنما ما يهمه إنهاء عملية التفاوض وتوقيع اتفاق.

نشر الأكاذيب

وتناول المسلسل السياسة الخارجية الإيرانية بانتقاد شديد، وقدم وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف بصورة غير لائقة خلال موسمه الأول، دفعت الأخير إلى اتهام التلفزيون الإيراني الرسمي بنشر الأكاذيب وخلق مناخ من عدم الثقة في البلاد. كما قدمت وزارة الخارجية شكوى موجهة إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي مفادها أن المسلسل يشوه سمعة وزير الخارجية.

وعند عرض الموسم الثاني احتفظ المسلسل بالنهج ذاته في انتقاد شخص الوزير وسياسته، ما دفع جواد ظريف إلى الإعلان في كلمة له على «كلوب هاوس» عن أن «هذه الانتقادات تستهدف السياسة الخارجية الإيرانية قبل أن تستهدفه شخصيا».

يشار إلى أن مقال فورين بوليسي أوضح أن الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي قد أكد أن المسلسل لا يهدف فقط إلى تشويه شخص وزير الخارجية، بل يهدف إلى تشويه مدرسته الفكرية، الداعمة للحوار مع الغرب، بل إنه ذهب إلى أكثر من ذلك عندما رأى أن المسلسل يمهد الطريق أمام محاكمة ظريف وروحاني.

نشر الفساد

ويعد موقف المسؤولين الإيرانيين من قضية مزدوجي الجنسية أحد أهم النقاط الخلافية مع الغرب، وقد ركز المسلسل على هذه القضية في موسميه الأول والثاني، كما ألقى الضوء أيضا على علاقة المعارضين بالخارج.

واستعان المسلسل في هذا السياق بقضيتين حقيقيتين: الأولى، أشارت ضمنيا إلى قصة اعتقال الصحفي الإيراني الأمريكي جيسون رضائيان، بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة، من خلال تجسيد شخصية حملت اسم مايكل هاشيميان، والثانية، تناولت قضية الصحفي روح الله زام، وأوضحت قصة القبض عليه بالعراق، قبل التنفيذ بحقه حكم الإعدام في 12 ديسمبر 2020، بعدة تهم خطرة كان أبرزها تهمة نشر الفساد في الأرض، إذ أوضح المسلسل تباهى عناصر الحرس الثوري بالخطط والتكتيكات المعقدة التي نجحت في استدراجه من منفاه بفرنسا إلى العراق حيث تم إلقاء القبض عليه، ونقله إلى إيران، لينفذ فيه حكم الإعدام.

وساد اتجاه لدى الرأي العام في الشارع الإيراني بين الموالين للتيار الإصلاحي، مفاده أن هذا التركيز على مصير الرافضين لسياسات النظام، يعد بمثابة تخويف وتأكيد من قبل الأجهزة الأمنية على أن تحركات هؤلاء مرصودة، وتتم مراقبتهم عن كثب، ليكونوا تحت طائلة القانون في التوقيت المناسب.

الدعاية للحرس

وعكس المسلسل ـ وفقا للباحثة رانيا مكرم ـ الحساسيات القائمة دائما بين الحرس الثوري والمسؤولين الإصلاحيين في أى من مؤسسات الدولة، لاسيما في الأجهزة التنفيذية، وقدم صورة لامعة مثالية لرجال الحرس الثوري، شبابا وقيادات، حيث إن بطل المسلسل «محمد» ضابط بالحرس الثوري، وأظهرهم المسلسل بالشباب المتدين، الذي يثق في رسالة الحرس الثوري وقوة بلاده، فيما كانت القيادات محاربة للفساد، ومضحية بنفسها في سبيل تخليص البلاد من ضغوط الغرب، في حين ظهر المسؤولون الحكوميون كشخصيات تفتقر للثقة بالنفس، ساعية لتحقيق مصالح شخصية، أقرب للخائنة بسبب علاقاتها مع الغرب.

ويبدو أن القائمين على المسلسل عملوا على عقد مقارنات طول حلقاته بموسميه الأول والثاني بين أعضاء الحكومة ودوائرها الإصلاحية، وبين المؤسسات العميقة، ومن بينها الحرس الثوري، وباقي المؤسسات التابعة للمرشد الأعلى للجمهورية، لتوجه رسالة مفادها أن رجال الحرس الثوري الأجدر والأكفأ لإدارة البلاد وحماية مصالحها.

قضايا أثارها مسلسل المخابرات الإيرانية:

  • سياسة التفاوض مع الغرب

  • انتقاد سياسات وزارة الخارجية

  • إعادة فتح قضية مزدوجي الجنسية

  • تعزيز دور الحرس الثوري