غسان بن محمد عسيلان

هل نجحت الصحوة في بناء أنموذج ناجح؟!!

الاثنين - 13 سبتمبر 2021

Mon - 13 Sep 2021

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918م وقعت معظم الأقطار العربية والإسلامية تحت الاحتلال المباشر من قوى ودول أوروبية قوية على رأسها إنجلترا وفرنسا، وعقب سقوط الدولة العثمانية عام 1924م، شعر المسلمون بحنين لوجود كيان جامع يحقق مصالحهم بعد زوال دولة العثمانيين.

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م انقسم العالم قسمين: قسم يؤيد الرأسمالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والآخر يدعم الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتي، ولكن هيمنت ثقافة الغرب، واكتسحت معظم الشعوب والمجتمعات بسبب ظهور التليفزيون، وتطور وسائل الإعلام!!

في هذه الأثناء تطلعت الشعوب الإسلامية إلى العودة لدينها وتراثها وقيمها العريقة، وظهر في عالمنا العربي في نهاية عقد السبعينيات من القرن العشرين الميلادي ما وصف بأنه «صحوة إسلامية» كان هدفها الرجوع إلى مبادئ الإسلام وقيمه وحضارته وتطبيق شريعته السمحاء، التي غيبها الاستعمار وما أحدثه في الأمة من تغريب ونشر لما سمي بأفكار الحداثة وما بعد الحداثة، والتي تقصي الدين وتبعده عن الحياة.

من هنا حظت «الصحوة الإسلامية» بتأييد من الشعوب العربية والإسلامية التي تقبلت الجماعات الإسلامية بقبول حسن وخصوصا التيارات المعتدلة منها، وتمنى الجميع بناء مجتمعات قوية متدينة تطبق مبادئ الإسلام ومنظومته القيمية، وتستعيد مجد الحضارة الإسلامية الخالدة.

كانت الآمال عريضة في تلك «الصحوة»، لكن لم تتمكن التيارات الإسلامية التي تتشكل منها من الوصول إلى الحكم، ولم يظهر منها أي نموذج ناجح لمجتمع ناهض قوي متقدم علميا وتقنيا وفي نفس الوقت يطبق منظومة القيم الإسلامية بشكلها النظري المتخيل في أذهان أبناء الصحوة.

ولا يمكن هنا جعل كل أبناء الصحوة وكل تياراتها سواء، لا على المستوى العملي، ولا حتى على المستوى النظري والإطار الفكري، والذي وجد خلال العقود الثلاثة التي تلت انتشار الصحوة هو التمسك بمظاهر التدين مثل إطلاق اللحى وارتداء الزي الإسلامي -إن صحت التسمية- دون بلورة نظرية متكاملة تقدم الإسلام الحقيقي للعالم بشكل مبهر جذاب، بأبعاده الروحية والحضارية، فالإسلام ليس فقط مجرد مظاهر خارجية.

ولا يمكن أن نلقي باللوم فقط على تيارات «الصحوة» فليسوا وحدهم في الميدان، والساحة العالمية تديرها قوى عظمى لها مصالحها المتشابكة والمعقدة، ولا يتصور أحد أن هذه القوى يمكن أن تترك المجال لظهور نماذج ناجحة ومؤثرة تقنع العالم بتطبيقها، لكن ذلك لا يلغي مسؤولية معظم تيارات «الصحوة» إن لم يكن جميعها عن غياب نموذج متكامل يقدم الإسلام ومنظومته الأخلاقية والحضارية للبشرية في صورة مشرقة.

والذي صدرته وسائل الإعلام عن الإسلام والمسلمين هي صور التشدد والتطرف والغلو والانغلاق الفكري والتخلف الحضاري، وليس هذا وحسب بل هناك صور الوحشية والهمجية والقتل والولوغ في الدماء الزكية دون تأنيب للضمير بل برغبة محمومة في القتل وشهوة مريضة في قطع الرؤوس على طريقة داعش!!

على الجانب الآخر هناك صورة أخرى يروج لها ببراعة في منظومة الإعلام العالمي وآلته تقدم قيم حضارة الغرب المادية على أنها حضارة راقية رحيمة، تهتم بالبشر، وتسعى إلى إسعاده بكل السبل والوسائل، ونادرا ما يشار إلى قسوة الرأسمالية وتوحشها وطغيانها المادي الذي يسحق الناس، ويمتص دماءهم بلا رحمة، ولكن بشكل هادئ تخفي فيه أنيابها الربوية المتوحشة التي تغرسها في أجساد الناس وتسحقهم في طريقها دون أي شعور بالذنب!!

وهكذا وجد المسلمون أنفسهم بين نموذجين بائسين:

نموذج يحلم بتطبيق مبادئ الإسلام في الحياة لكنه نموذج عاجز عن تحقيق ما يريد، وتقتصر رؤيته على الجوانب الشكلية، ولم يقدر على إنتاج مثال عملي ناجح في جوانب الحياة الاقتصادية والتقنية والحضارية، بل هناك جهات محسوبة على دعاة هذا النموذج موصومة بالدموية والعنف الذي كره الناس في الدين!!

ونموذج آخر يرى أن الغرب هو أساس كل نجاح وأصل كل نهضة، ويدعو لتقليده في كل شيء، وتطبيق منظومة الحضارة الغربية بحذافيرها دون أي اعتبار لمخالفته ديننا في الجوانب العقدية والاجتماعية!!

يعني وقع المسلمون بين مطرقة (الصحوة) بما فيها من جمود، وفشل في أي إنتاج حضاري مبهر، وبين سندان (التغريب) وما يحمله في طياته من دعوة لقبول الشذوذ والإلحاد، وعدم مواجهة حياة المجون والانحلال.

@GhassanOsailan