محمد النفاعي

التنور من مهرج شقائق النعمان

السبت - 11 سبتمبر 2021

Sat - 11 Sep 2021

في عام 2003 أطلقت ديزني فيلما للأطفال اسمه البحث عن نيمو. بطل هذا الفيلم هو سمكة صغيرة جميلة الشكل تعرف باسم سمكة المهرج، هذه السمكة تتميز بأنها تعيش في بيئة خطرة تسمى شقائق النعمان.

شقائق النعمان أو شقائق البحر هذا ما هو إلا حيوان بحري رخوي سام ذو شكل يشبه الزهرة له العديد من المجسات السامة. أسماك المهرج وشقائق النعمان بينهما علاقة خاصة كما جاء تفصيلها في المصادر العلمية، حيث إن احتماء سمكة المهرج بشقائق النعمان هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن نفسها من بقية الأسماك المفترسة الأخرى. تتميز السمكة بأن لديها غشاء مخاطيا يقاوم لسعات مسجات الشقائق السامة ولا يتأثر بها على عكس الأسماك البحرية الأخرى والتي تهاجمها دائما، وهكذا تبقى أسماك المهرج بمأمن من أعدائها.

من ناحية أخرى تقدم أسماك المهرج العديد من الفوائد لمضيفها النعماني حيث عن طريقها يتخلص من المجسات الميتة مما يساعده على النمو وتجديد الأنسجة، كذلك وجودها يجلب له الغذاء ويساعده على التنفس. من هنا تعتبر علاقة أسماك المهرج مع شقائق النعمان من أكثر الأمثلة وضوحا للعلاقة التكافلية في الطبيعة.

من منظور آخر، هذه السمكة ومضيفها وتكيفهما مع بيئتهما الصعبة حفز ذهني وأثار تساؤلاتي أيضا عن أهمية التكيف داخل المجتمع الوظيفي مهما صعبت بيئة العمل. في حياتي العملية سنحت لي الفرصة للتنقل من بيئة عمل إلى أخرى إما لأسباب شخصية أو احترافية ومع ذلك تكتشف أن التكيف هو أساس الاستمرارية والإنتاجية والنجاح الوظيفي وليس التغيير باستمرار للبحث عن بيئة أفضل.

لذا ما وجدته مع مرور الأيام أن المثل الإنجليزي «العشب دائما أكثر اخضرارا على الجانب الآخر» ليس صحيحا دائما. ما يراد بهذا المثل أنك تعتقد دائما أن الآخرين في وضع أفضل منك على الرغم من أنهم ليس كذلك. أيضا كمسؤول واجهت الكثير من طلبات التنقل من بعض الموظفين بعد مدة قصيرة من الانخراط في وظيفة ما، دأبت على القول لهم يجب أن تمنحوا أنفسكم الوقت فقط، فأحيانا كل ما تحتاجه هو خلق علاقة تكافلية مع من حولك داخل بيئة العمل. من المتعارف عليه أن كل شركة أو مؤسسة لديها بيئة عمل مختلفة تثمر عن إحداث ثقافة خاصة بها، فكلما كبرت المؤسسة في الحجم زادت وترسخت الفوارق الثقافية، سواء كانت اجتماعية أو مهنية. الموظفون الذين يحبون مكان عملهم ووظائفهم ويتكيفون بسهولة ويخلقون مثل هذه العلاقات التكافلية، يكونون أكثر رضا وإنتاجية ويعملون بطريقة أفضل وعلى مستوى أعلى.

التكيف والعلاقة التكافلية مع من حولنا في بيئة العمل ليس سهلا ويتطلب الكثير من الجهد والصبر ولكن يساعد على عدم استنزاف الطاقات الإيجابية للموظف ومن حوله وتوجيهها للمكان الصحيح مما يحقق الفائدة المادية والنفسية له ولمؤسسته. ببساطة نقول ابذل الجهد أولا لفهم شقائق النعمان التي أنت فيها قبل الإقدام على التغيير غير المقنن، لأن ذلك يعتبر صفقة ناجحة للجميع، ويحقق المعادلة المشهورة في علم الإدارة، مربح لكلا الطرفين (اكتسب-تكسب).

ختاما، التكيف مع بيئة العمل وتسخيرها لصالحك يعتبر أحد أهم الأسباب للنمو الشخصي في علم الإدارة للوصول إلى أقصى إمكانيات الشخص. لقد تطرق جون سي. ماكسويل في كتابه «خمسة عشر قانونا لا يقدر بثمن للنمو» بالتفصيل عما سماه «قانون البيئة»، وصنفه في المرتبة السادسة من حيث الأهمية للنجاح المهني.

@msnabq