مرزوق بن تنباك

قضية التنازع الأبدي

الثلاثاء - 07 سبتمبر 2021

Tue - 07 Sep 2021

يكتب الكتاب ويغرد المغردون ويتكلم السياسيون والمصلحون الاجتماعيون وتمتلئ المساحات بأفكار وآراء واقتراحات تحمد الحرية وتمجدها وتدعو إليها، وتسمع من الناس أن كل ذلك وغيره جميل وحق مشروع وواجب مقدس وحرية مكفولة بقوانين الدنيا ومعارفها، وتقر المجتمعات كلها بذلك، من أكثرها تسلطا ودكتاتورية إلى أكثرها ديمقراطية وانفتاحا بشرط أن تكون التغريدات والأفكار والاقتراحات والمساحات المفتوحة للحديث عن الحرية هي تمجيد للجماعة التي تنتمي إليها، وللحزب إن كان ثمة أحزاب في بلدك، ولمن يرى رأيك ويوافق هواك.

وإن شئت أن تخرج من هذه الدائرة أو تنتقد هذه الفئة أو تلك فهنا تقف حدود الحرية التي تستطيع التعبير عنها وليس لديك الحل غير الدوران حول القضية والمعنى الذي تريد الوصول إليه، والاعتماد على الاستعارة والتورية والتعميم ذلك أسلم لك وأسرع بقبول رأيك وانتشار معتقداتك.

ويجب أن ترفق قليلا ولا تقفز على الكلمات لأن كل تلك الدعاوى لاحترام الحرية الشخصية لا يقوم على تطبيقها دليل يعتمد عليه ولا يصدق إلا القليل منها.

ومثل الحديث عن الحرية الحديث عن حقوق الإنسان التي يتحدث عنها كل من كتب ومن تكلم ومن حكم ومن كان في أسفل السلم الاجتماعي ومن قذفت به الأقدار إلى القمة، كل هؤلاء يحدثونك عن احترام حقوق الإنسان وأهميتها ووجوب العمل على تحقيقها ويقولون ويؤكدون بلا تردد: إن قضية حقوق الإنسان مبدأ راسخ في معتقداتهم لا يحيدون عنه وملتزمون به ولا يساومون عليه.

وحرية الحديث عن حقوق الإنسان العامة عندهم مبدأ راسخ لا تقل أهمية عن قضية الحرية الشخصية والفكرية التي يرونها حقا مقدسا للبشر كافة من أبيض وأسود وملون، لكن حين تكشف صفحات الواقع وترى ما يعانيه الإنسان من أخيه ترى طحنا لكرامته واعتداء على حقوقه واستغلالا للذين لا يستطيعون الدفاع بالقوة عن حقوقهم وتعرف البون الشاسع بين ما يقال وما تمارسه البشرية من الذل والقهر والاحتقار للآخر الضعيف العاجز وبين ضرب الأمثلة والأحاديث المعدة للاستهلاك تضيع حقوق الإنسان ويضيع الإنسان نفسه وتضيع أنت.

ومثل الحرية وحقوق الإنسان يكون الحديث عن المساواة بين الناس والعدل المحبب للنفس البشرية والمطلب الأسمى الذي يتحدث عنه المتحدثون ويكتب عنه الكاتبون.

المساواة والعدالة قضية أخرى من قضايا التنازع الأبدي الذي لا ينتهي عند حد، وبين ما يقال وما يطبق على أرض الواقع ترى الاختلاف والتفاوت، ولا شك أن الناس يريدون التخلق بالفضائل والقيم العالية والدعوة إليها والتمسح بها ومن حقهم ذلك.

لذا أدرك الفلاسفة والمفكرون منذ عصر التدوين الصعوبة البالغة التي تفصل النظرية عن التطبيق في السلوك العام عند البشر حين تحاول المجتمعات ممارسة هذه القيم والعمل على أن تكون سلوكا عاما للمجتمعات، فألف المؤلفون ما لا يحصى من الكتب وما لا يعد من فنون وأنواع العلوم والمعارف من أجل توطين قيم العدالة والتسامح والحرية المنضبطة أيضا، كل ذلك محاولة لتنمية الشعور الإنساني وتهذيب سلوك التوحش وتمدين النزعة الفردية وحب الغلبة والسيطرة المطلقة عند القادرين من أجل غطرسة الذات وأنانيتها.

وقد نجحت جهود هؤلاء حتى الآن بتوصيف جميل محبب للقيم العليا، أما العمل والتطبيق فيحتاج إلى مرحلة طويلة تبلورت بعض معالمها في الغرب وإن كانت لا زالت بعيدة عن الكمال الذي يجب أن تصل إليه. أما الشرق وثقافته الموروثة فلا زالت الطريق إلى قيم التحضر والتسامح والعدل والمساواة صعبة وشائكة وملوثة بأفكار حقب ماضية من التاريخ الطويل المشجع على الاستبداد المطلق والقهر والغلبة.

Mtenback@