طلال الشريف

التعليم قوتنا للقضاء على وباء كورونا

الاحد - 05 سبتمبر 2021

Sun - 05 Sep 2021

يقاس تقدم أي دولة بمدى قوة نظامها التعليمي وكفاءته وفاعليته في تحقيق أهدافه من خلال المعايير الدولية والمحلية والمؤشرات التي تعكس التفاعل بين مكونات النظام التعليمي ذاته وعلاقته بمجتمعه ومستوى تأثيره، وأجزم أنه بعد أزمة كورونا أصبح لزاما على الدول التي تنشد البقاء والمحافظة على الأجيال وحماية مكتسباتها واستمرار مشروعاتها التنموية إعادة بناء نظامها التعليمي واستحداث معيار التكيف مع الأزمات الحادة كأزمة كورونا والاستجابة للتحديات المباشرة وفتح أبواب المدارس والجامعات بطريقة آمنة يمكنها من التعامل مع أزمات المستقبل.

لقد شكلت أزمة كورونا صدمة كبرى وغير مسبوقة لهذا الجيل على مستوى التعليم والتدريب وحتى التوظيف، وأعادت العالم إلى الوراء كثيرا في ما يخص تحقيق أهداف التعليم وغاياته النهائية وتحقيق التنمية المستدامة، حتى وإن نجحت بعض الدول في تعاملها مع الأزمة بشكل مقبول إلى حد كبير من خلال سرعة التحول إلى التعليم عن بعد والاستفادة من وسائل التقنية الحديثة في ذلك، ولكن الخطر المزعج الاستمرار في حلقة من التأثيرات السلبية المتمثلة في الفاقد التعليمي الكبير والآثار الاجتماعية والصحية والاقتصادية الأخرى، ما لم يواجه وباء كورونا وتحوراته بشجاعة وتعاون من خلال العودة للتعليم الحضوري والتكيف مع الوباء والأخذ بكل الاحترازات والبروتوكولات الصحية للحد من الإصابات قدر المستطاع.

إن عامل الخوف من العدوى، وعدم الثقة في المؤسسات التعليمية وإجراءاتها الاحترازية يؤدي إلى الابتعاد عن المرافق التعليمية والخدمات ويعطل مشاريع التنمية، وإغلاق المدارس بالذات يؤدي إلى آثار سلبية للغاية على المدى الطويل وخاصة على الأطفال، ويعرضهم كل الفئات لمخاطر متعددة في مجال التعليم والتعلم وحرمانهم من الرعاية في المؤسسات التعليمية وتطوير مهاراتهم الاجتماعية والمعرفية، والمحافظة على صحتهم النفسية والبدنية، وتحقيق طموحاتهم المستقبلية، والصعوبة في العودة الطبيعية إذا طالت فترة الانقطاع عن المدارس.

ولنا في التاريخ دروس وعبر، فقد مرت البشرية بالعديد من الأوبئة، ولم تستسلم لها بل اتخذت الكثير من الإجراءات والاحترازات كما نراه اليوم في مواجهتنا لوباء كورونا، فطاعون أوروبا أدى إلى انهيار جودة التعليم ما دفع الدول الأوروبية إلى سرعة النهوض والعودة للتعليم، والانفلونزا الإسبانية فرضت ارتداء الكمامات في المدارس والجامعات، وتفشي مرض الجدري فرض على المدارس والجامعات الحصول على التطعيمات اللازمة، وهو ما يعني ضرورة تحول مشاعرنا وأفكارنا من الخوف والقلق من انتشار الوباء بسبب العودة الحضورية للتعليم إلى الأمن والثقة والاطمئنان، وتحويل المدارس والجامعات إلى مؤسسات لكبح جماح وباء كورونا باستمرار العملية التعليمية الحضورية وأخذ اللقاحات المطلوبة والاستجابة والتفاعل مع متطلبات وزارة الصحة، ليس ذلك فحسب، بل وتمهيد الطريق لنهضة تعليمية تغير مجرى تاريخنا الوطني في مرحلة توفرت فيها كل مقومات النجاح.

ونحن في المملكة نجحنا بدرجة كبيرة جدا في مواجهة وباء كورونا على المستوى الصحي والتعليمي، ولم تنقطع مسيرة التعليم يوما واحدا، إلا أن الفاقد التعليمي ليس يسيرا ويبقى مهددا كبيرا لكفاءة نظامنا التعليمي في ما لو استمرت العملية التعليمية عن بعد، وهو ما أدركته وزارة التعليم بالتعاون مع وزارة الصحة وعملت بشكل دؤوب على تحويل أزمة كورونا إلى فرصة لتطوير نظامنا التعليمي وإحداث تحول جذري في إدارة النظام التربوي وإعادة هيكلته وتطوير الخطط الدراسية والمناهج التعليمية وتطوير المعلمين وتعزيز العلاقة معهم وتقليص الفاقد الزمني لما قبل أزمة كورونا، وذلك لا يعني التخلي عن ممارسات التعليم عن بعد وصور التعليم الالكتروني الأخرى التي يفرضها واقعنا المعاصر، وإنما العمل بها في وقتها ومكانها الصحيح وبما يدعم ويعزز العملية التعليمية الحضورية في المدارس والجامعات.

ومع كل هذه الجهود تبقى المسؤولية تعاونية مشتركة بين وزارة التعليم والمجتمع بكل مكوناته للارتقاء بنظامنا التعليمي، ولن تثمر جهود التطوير وتؤتي أكلها ما لم نؤمن جميعا بأهداف نظامنا التعليمي، وما لم يعي كل طرف دوره في نجاح منظومة التعليم، فطلابنا وطالباتنا على مختلف المستويات معنيين بالدرجة الأولى بفهم تطلعاتنا الوطنية والعمل الجاد على التحصيل العلمي والحد من الملهيات المعاصرة على مسيرتهم التعليمية ومستوياتهم المعرفية والمهارية وإدراك أهمية المحافظة على مكتسباتنا الوطنية والإسهام في تحولاتنا النوعية التي جاءت بها رؤيتنا في 2030 نحو مستقبل مختلف للوصول إلى مكانة عالمية مرموقة بين نظم التعليم العالمية المتقدمة. والمعلمون أصحاب الهمم العالية مسؤولون عن أداء الأمانة كاملة غير منقوصة في رعاية طلابهم وطالباتهم والتفاعل الإيجابي مع احتياجاتهم التعليمية والنفسية والاجتماعية، وأرباب الأسر مطالبين بالمشاركة الفعلية والمتابعة الدقيقة والمستمرة لمستوى تحصيل أبنائهم وعلاقتهم بأصدقائهم ومدارسهم وجامعاتهم، والإدارة المدرسية والتربوية عموما ملزمة بالإشراف الدقيق على تطبيق الخطط الدراسية بكفاءة وفاعلية عالية والاستثمار الأمثل لموارد النظام المادية والبشرية وتقييمها بشكل عادل فضلا عن تعزيز علاقتها مع المجتمع وإشراكه في خططها التنفيذية، ومؤسسات المجتمع الأخرى وخاصة الإعلام معنية بأدوارها الضرورية المساندة في تقوية نظامنا التعليمي وتعزيز مكانته محليا ودوليا.

drAlshreefTalal@