بندر الزهراني

«فجأة» على قفا من يشيل!

السبت - 04 سبتمبر 2021

Sat - 04 Sep 2021

قد يأتي رب أسرة هكذا فجأة وبلا مقدمات فيتحمس ويفاجئ أفراد أسرته، بأن يدعوهم مثلا لتناول وجبة العشاء خارج المنزل، أو يقرر أن يعطي كل واحد منهم مبلغا ماليا زيادة على مصروفه الشهري، لأن المصروف لا يكفي الحاجة، أو أنه من باب تغيير الأجواء سيأخذهم في رحلة سياحية إلى مدينة ما، ثم بعد لحظة أو لحيظات هكذا فجأة يغير رأيه! لأي عارض كان، ويتراجع عن قراره، فتصاب الأسرة بالدهشة والذهول وخيبة الأمل، سواء كانت ابتداء مع القرار أو تحولت لاحقا ضده، وأصبح من كان يصفق للقرار بعد صدوره يتذمر بعد إلغائه، ومن كان يتذمر منه يصفق للتراجع عنه، وقد تتقبل الأسرة بسهولة أو على مضض تغيير مواقفها، ولكن الحالة التي لا تتغير، لا قبل صدور القرار، ولا بعد الرجوع عنه، هي حالة تذبذب رب الأسرة، متخذ القرار، ما لم يغير هو من خططه واستراتيجياته.

في الأسبوع الماضي، وهو الأسبوع الأول من الفصل الدراسي الجديد والأول حضوريا بعد كورونا، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع قرار السماح لطلبة التعليم العام اصطحاب هواتفهم الذكية معهم داخل المدارس وأثناء الدوام اليومي، فخرجت في الساحة أصوات المرحبين بالقرار، وهلهلوا له ما أمكن هلهلته، وقال بعضهم: بهذا القرار الشجاع نردم الفجوات بين الواقع والطموحات، ونضيء عقول الناشئة ونتخلص من مخلفات الماضي وعقده النفسية، وما هي إلا سويعات قلائل فصلت بين تطبيق القرار والعدول عنه حتى عادت نفس الأصوات تطفئ الأنوار وتلعن الظلام!

ربما الحاجة كانت ملحة في السماح للطلاب والطالبات بإحضار هواتفهم لاستخدامها في التأكد من أوضاعهم الصحية وتلقيهم الجرعتين، هذا على افتراض أن كل واحد منهم كان يمتلك هاتفا ذكيا، جهازا وشريحة اتصال، وإذا ما نظرنا للواقع في هذه المسألة وبعقلانية وتجرد وجدنا أن هذا الفرض غير متحقق، فبعض الأسر كانت في فترة التعليم عن بعد تجتمع على جهاز كمبيوتر واحد أو محمول واحد، ولكن هب أننا كنا مضطرين لمثل هذه الخطوة، وأن دواعي الوضع الصحي هي الباعث الأساس وراء قرارنا هذا، فلماذا إذن تراجعنا عن القرار بهذه السرعة!

قيل إن بعض الطلبة قد يسيء استخدام الجوال أثناء تواجده في المدرسة؛ إما بالتصوير والبث المباشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، في ظل نقص وعيه وضعف معرفته بقانونية ما يصوره ويبثه؛ وإما الانشغال بالمحادثات المباشرة أو بألعاب الفيديو بدلا عن الدراسة، وهذه الأسباب كلها وإن بدت وجيهة ومنطقية إلا أنها لم تكن وليدة الموقف، ولا أثرا طارئا له أو ناجما عنه، بمعنى أنها ليست جديدة أو حتى غائبة عن الفهم أو مستعصية عليه ويصعب توقعها، لا أبدا، بل هي واضحة وضوح الشمس، وما دام أنها كذلك فلماذا إذن صدر القرار دون الأخذ بهذه الاعتبارات!

القرارات المصيرية المتذبذبة خاصة في التعليم وعند الإدارات التربوية عادة ما تخلق أجواء مأزومة ومشحونة بمشاعر سلبية، كمشاعر فقدان الثقة بين المسؤول صاحب القرار وبين الموظف المعني بتطبيق القرار، عكس القرارات الحازمة تلك التي تخلق تعاملات منسجمة ما بين الإدارة والموظفين، إما بالطاعة والامتثال أو بقوة تطبيق النظام، بغض النظر عن درجة الخطأ والصواب، ومن الطبيعي ألا يتخذ المدير الناجح قرارا دون أن تكون لديه البدائل الجيدة قبل أن يعود إلى الحالة التي كان عليها قبل القرار.

القرارات المتذبذبة يختلف ضررها باختلاف دوافع القرارات نفسها، وباختلاف طبيعة الحالات والبدائل المتاحة لكل قرار، وينبغي على الجهات ذات التأثيرات الواسعة مراعاة حجم الآثار النفسية المصاحبة لقراراتها، ولا بد أيضا أن نتعاون جميعا في مسألة احتواء ما ينجم من

تبعات نفسية واجتماعية، داخل محيط الأسرة الواحدة، وعلى مستوى المجتمعات، وأن نعذر بعضنا بعضا، ونسدد ونقارب ما أمكننا ذلك، خاصة في ظل الظروف الصحية الراهنة، فالمصلحة العامة هي هدف الجميع بلا أدنى شك.

يقال في أدب النوادر والفكاهة المعاصرة أو ما يعرف بـ «النكتة» إن شخصا بسيطا لم يكن يعرف كلمة «فجأة» بمعنى أنها لم تكن في قاموسه اللفظي، فلما شرحت له وفهم معناها جيدا، أراد بنفسه أن يتمرن على تطبيقها حتى ترسخ في ذهنه ولا ينساها، فذهب إلى بقالة في زاوية من شارع الحي الذي يقطنه، ودخل على البائع وقال له: لو سمحت! أعطني بيبسي «فجأة» سفن أب، فسقط البائع مغشيا عليه من الضحك! إن شئتم جربوا بأنفسكم هذا التمرين واضحكوا، فالمفاجآت «على قفا من يشيل» في عصر كورونا.

drbmaz@