محمد الأحمدي

أفل طيف المرأة وأشرق نجم المثلية

الثلاثاء - 24 أغسطس 2021

Tue - 24 Aug 2021

إن قراءة المشهد الاجتماعي رغم تفاوته في القارة الأوروبية المتدينة في عصر من العصور لا يخفى عليه ملامح التشريعات المدنية الحديثة التي تحتكم إلى القوانين البشرية المتجددة دون ارتباطها بأصول تشريعية ثابتة. وفي هذا مرونة للمجتمع الأوروبي، وديمومة للتغيير في هذه القوانين، عند ظهور الأقليات، أو إنتاج قوانين مدنية جديدة تناسب الحال الاجتماعي المتجدد أيدولوجيا. وساعد في ذلك، حالة الانفصال بين الحياة الكنسية التي سادت في عصور ما قبل الثورات الأوروبية على السلطة الكنسية حينما باتت شوكة في طريق التقدم العملي والمالي والتشريعي في أوروبا، وبين الحياة المدنية للمجتمع التي نشأت بعد هذا الطلاق البائن بينهما حتى أصبحت دور العبادة مزارات للسياح الأجانب.

وعلى الرغم من تواجد صوت خافت لتلك السلطة الكنسية في المجتمعات الأوروبية في العصر الحالي إلا أنه يعتريه التشكيك دائما لافتقارها لمنطق العقل الجمعي أو العرف المجتمعي الحديث، أو للصورة المظلمة التي أحاطت بها ذات مرة وأدت بالمجتمع إلى أن يبحث عن قوانين مدنية أو أعراف ارتضاها لنفسه أو فرضتها سياسة الأمر الواقع عليه في معظم الدول الأوروبية بدلا من اللاهوت الكنسي المتحيز لمصلحته. ومن أبسط الأمثلة الموضحة لهذا الرأي تعددية القرارات التي تشرع لعقد الزوجية، كالزواج التقليدي الذي يعقد في مؤسسة دينية. وهذا النوع من مظاهر الزواج يلتحف بمظاهر الطبقية الاجتماعية أو الرفاهية الاستعراضية، أو الرغبة في العودة إلى الأصول التقليدية للشعور بالتميز، ووجدت في حوارات الناس أنه يعطي للحياة الزوجية مزيدا من الذكريات، أو التقديس للعلاقة الزوجية، حيث إنها في جميع الحالات علاقة ثنائية قائمة على المصلحة النفعية بين الطرفين في العصر الحالي، ومن الأصلح لتوقيع الاتفاقية أن تكون في مكان يتسم بالثروة والسلطة والبروتوكول والطبقية حتى تأخذ طابعها النبيل.

ويأتي اتجاه آخر يسمى بعقد الزوجية المدني التي تقوم به مؤسسات الدولة الرسمية، كعقد شراكة بين طرفين يضمن حقوق كل منهما، وينظم ما تثمره هذه العلاقة من نتائج. وأما الطيف الثالث فهو العلاقة الثنائية الاسمية غير الموثقة رسميا والتي تكتفي بالعرف الاجتماعي بين المحيطين بالطرفين. وهذه الحالة باتت تشيع بكثرة في المجتمعات الأوروبية الرأسمالية خشية من تفاقم تبعات الرأسمالية الغربية على الأسرة المتوسطة أو المتدنية الدخل، أو على مستوى الطبقة المخملية خشية الشراكة في الأصول المالية، وأحيانا بأسباب التشريعات الكنسية التي تمنع عملية التوثيق لعقد الزوجية مرة أخرى رغم تجاوز هذا النظام في بعض الأحيان.

وفي ظل هذه التعددية التشريعية لميثاق الثنائية بين الرجل والمرأة القائمة على المصلحة الفردية لكل منهما في معظم الحالات، أجد أن هذه المصلحة الذاتية الفردية قد تتغير من فترة إلى أخرى، أو تتحقق في مدة زمنية، أو تتضرر عند تحمل الأعباء، أو تتغير أولوياتها، أو أركانها، وبالتالي فإن التفكير في الخروج منها يزداد شدة وتعقيدا عند النظر في حالات توثيق عقد الزوجية الثلاثة السابقة تراتبيا، حيث يأتي العرف الاجتماعي أدناها في الحقوق الزوجية، حيث أسهمت النزعة التحررية في انتشاره في المجتمع البريطاني. وتكفلت القوانين المجتمعية في ضبط الحقوق المشتركة بين الطرفين كالأبناء، أو الأموال، أو الأصول المشتركة. ومن عجائب حقوق الانفصال في هذا العرف الزوجي الاعتراف بتوريث الأطفال دون والدتهم من تركة زوجها عند وفاته. وعلى الرغم من تسويق تقدير الشراكة الزوجية المصلحية في المجتمع البريطاني في جميع حالاتها الثلاث إلا أن الواقع الزوجي قائم على المصلحة الفردية لكل منهما إلى أن تتبدل أو تتغير أوليات هذه العلاقة فإما أن تستحدث قوانين جديدة بينهما للبقاء، أو يقررا الانفصال وفقا للأصلح لهما.

إن شماعة حقوق المرأة التي اتخذها الغرب ذريعة لتسويق أيدولوجيته بدأت تتحول نحو شماعة أخرى كالمثلية، والشذوذ، والمتحولين بيولوجيا التي تعتبر نفسها أقليات مجتمعية مضطهدة. يحق لها وفق النقدية التحررية أن تشكل واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي.

اليوم ألمسها تتمكن في كثير من المؤسسات الغربية بما فيها الأكاديمية، ولها ممثلون على كافة المستويات في المجتمع الأكاديمي من الطلبة حتى أعضاء هيئة التدريس، وتمتلك أصول تمويلية تدفع بها في هذه المؤسسات لاستمالة راغبي التمويل في تمويل ورعاية الأبحاث العلمية، وفي الحقيقة هذه الأجندات تكفي لإقصاء أي مجتمع أو مؤسسة حول العالم عندما تدرج أيديولوجياتها إلى التصنيفات العالمية التي تديرها المؤسسات الأوروبية والغربية حتى تبقى مؤسساته متصدرة في تلك التصنيفات.

alahmadim2010@