زيد الفضيل

من هم العرب؟

السبت - 21 أغسطس 2021

Sat - 21 Aug 2021

في مقاله الفريد «محمد النبي قائدا عربيا» كتب الدكتور سعد الصويان في الزميلة «عكاظ» معريا بملاحة واقتدار زيف بعض اليوتيوبرز كما وصفهم، الذين أمعنوا القدح في هوية سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، واستأنسوا ترديد ما يسيء إلى مضمون رسالته الخالدة، بدعوى التنوير والحداثة والليبرالية الجوفاء، متبنين ــ لغاية في نفوسهم ــ تكرار بعض أفكار المستشرقين الكارهين للإسلام والعرب، ممن استفرغوا وسعهم للتشكيك في وجود نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-.

ومع تأييدي لما كتبه الدكتور الصويان، أجد من واجبي كباحث متخصص أن ألفت النظر إلى فكرة أخرى تم زرعها في عمقنا التاريخي بيد عربية للأسف الشديد، وتم تداولها بين الناس جيلا بعد جيل حتى باتت حقيقة مسلمة، وهي في جوهرها وأساسها لا ترقى لأن تكون كذلك أبدا، ويدحضها جملة وتفصيلا الشاهد، والواقع، والرواية، والخبر.

ما أعنيه كامن في مقولة أن النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- ينتمي بأصوله للعرب المستعربة، وهم بحسب النسج الروائي: الذين تعربوا جراء اتصالهم بقبيلة جرهم القحطانية المنتمية للعرب العاربة؛ وهكذا ترسخ في ذهن الناس جيلا بعد جيل أن العرب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام وهي: العرب البائدة، والعرب العاربة وهم القحطانيون اليمنيون، والعرب المستعربة وهم العدنانيون الذين منهم قبيلة مضر، وإليها ينتمي فهر وهو أساس قبيلة قريش، التي خرج منها خير البشر وسيدهم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.

والغريب أن وجود عدنان ثابت بحديث النبي الذي نسب نفسه إليه، وذكر أنه من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، في حين لا نملك وثيقة أو رواية بسند موثوق تثبت تسلسل نسب أي من القبائل القحطانية وانتمائها إلى نوح، بل هي رواية خبرية لا شاهد أو دليل مادي عليها. والسؤال الذي يحيرني هو: لماذا تم إرخاء انتساب النبي وقريش وكل المضريين إلى مقام العروبة الأصفى؟ ومن المستفيد من ذلك؟

على أن مفهوم العروبة ومعناه ليس كما أراد الإخباريون تفسيره بجعله مستمدا من اسم يعرب بن قحطان كما هو شائع بين الناس بمن فيهم جمهرة المثقفين وعديد من المؤرخين للأسف، وإنما له معنى آخر مغاير لذلك كليا. وقبل أن أدلف في ذكر ما جاء من تفسير تاريخي لمعنى ودلالة اسم العرب، دعونا نقرر أن العربية لسان كما نص الكتاب المبين، وأن من تكلم بالعربية وجعلها لغة ثقافة وهوية فقد أصبح عربيا منتميا.

أما كيف نسج هذا المصطلح وأقصد لفظة «العرب» فله تفاسير متعددة بشواهد مادية، ليس فيها التفسير الخبري السالف الذكر، حيث ورد في كتابات السومريين في الألف الثالث قبل الميلاد أن الأقوام «العربية» تهاجمهم، ويقصدون بالعربية هنا أي القادمون من جهة الغرب، وبالتالي فدلالة المصطلح هنا راجع إلى الجغرافيا وليس للجنس، وكان قد تم مهاجمة السومريين من قبل القبائل الساكنة في شمال شرق الجزيرة العربية في حينه وهم الأكاديون والبابليون والكنعانيون الذين ينتمي إليهم سيدنا إبراهيم عليه السلام.

كان ذلك أول ابتداء لذكر اسم «عرب» في التاريخ، ثم جرى تكرار الاسم بعد ذلك بمئات السنين حيث ورد في السجلات الآشورية أن «الأربوس» والمقصود بهم «العرب» الساكنون في وسط وشمال الجزيرة العربية يقومون بمهاجمة القوافل التجارية؛ بهذه الدلالة أصبح مصطلح «العرب» عنوانا لجنس القبائل القاطنة في الجزيرة العربية التي يرجع نسبها إلى الكنعانيين ومن إليهم.

وبالتالي فحين أسكن سيدنا إبراهيم زوجه هاجر وابنها سيدنا إسماعيل في مكة، لم يكن غريبا عن هذه الأرض، بل كان منها أرومة وهوية، ولهذا ساد إسماعيل مكة في طفولته وكبره، وانضوت قبيلة جرهم له وليس العكس، وصارت ذريته هي الحاكمة للأرض ومن عليها.

لكن ذلك قد تم إغفاله في العصور الإسلامية الوسطى، وتم اختراع مصطلح (العرب المستعربة) ولصقه بالعدنانيين بالرغم من أنهم أصل العرب والرسالة، ومنهم اصطفى الله قريشا واصطفى منها بني هاشم واصطفى من بني هاشم نبينا محمد على العالمين وفق ما ورد في حديث الاصطفاء الصحيح والثابت. وبالرغم من ورود حديث يثبت أن القحطانيين والعدنانيين من ولد إسماعيل، وهو ما أميل إليه وأراه صحيحا، إلا أن ذلك لم يتم الأخذ به من قبل أولئك النسابة الذين أمعنوا في تقسيمهم العنصري، مما يفرض تساؤلا كبيرا حول مغزى ذلك، وغايتهم من إثبات دونية النبي وقريش والعدنانيين جملة.

أشير ختاما إلى أن عديدا من الباحثين قد فند هذه المقولة مستشهدين بتفاخر النبي بعروبته وهو بين الأنصار من الأوس والخزرج القحطانيين، ولو كانوا ممن يعرفون قصة العرب العاربة والمستعربة لسربوا للنبي استهجانهم، لكن ذلك لم يكن، لأنه لم يكن في الأساس وارد في ذهنهم، وإنما جرى صناعته لاحقا لسبب أو لآخر. فهل من لبيب يتفكر؟ وهل آن الأون لإعادة قراءة موروثنا بعيون عربية واعية؟

zash113@