سليمان الضحيان

حكاية الكفر والإيمان في انقلاب تركيا

الأربعاء - 27 يوليو 2016

Wed - 27 Jul 2016

«الذين فرحوا بانقلاب تركيا ثم ساءهم فشله هم إما كافر، أو جاهل، أو صاحب هوى»! هكذا صرَّح أحد المشايخ السعوديين الذين لهم حضور بارز لدى المتدينين في السعودية، وهذا التصريح منه يلخص الطريقة التي يتعامل بها جمهور واسع من الدعاة وطلبة العلم والمثقفين المتدينين في السعودية مع قضايا السياسة، فهم يتعاملون مع قضايا السياسة بمنطق (الحق المحض والباطل المحض) و(الإيمان والكفر)، وقد كانت تغريداتهم على مواقع التواصل عن حادثة الانقلاب في تركيا تبين عن هذه النظرة، فأحد الدعاة يخاطب إردوغان بخطاب خديجة للرسول (صلى الله عليه وسلم): «كلا، والله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق»، وكل من أيَّد الانقلاب، أو توقف، أو حلل خلافا لما يرونه فهو مؤيد للصهيونية وأعداء الأمة، والمفارقة أن من قام بالانقلاب وفقا لتصريحات المسؤولين الأتراك حركة إسلامية أخرى، وهي حركة (خدمة) ورئيسها فتح الله كولن، أي أن الصراع بين الحكومة الديمقراطية والحركة الانقلابية إنما هو صراع بين حركتين إسلاميتين، وثمة تصريحات سابقة لدعاة سعوديين تلهج بمدح مبالغ فيه لفتح الله وحركته (خدمة) - وهم من قام بالانقلاب - ومع هذه المفارقة فالتحليل السياسي لدينا لما حدث ظل وفقا لقاموس (الكفر والإيمان).

وهذه النظرة في تحليل وقائع السياسة ناتجة عن عدم إدراك أن السياسة في واقعنا اليوم قائمة على شبكة هائلة من العلاقات الوطنية والإقليمية والدولية، وخاضعة لموازنات دقيقة بين المصالح والمفاسد التي لا يدركها حق الإدراك إلا المنخرط في العمل السياسي، وأن قضية الحق والباطل فيها نسبية خاضعة لرؤية السياسي نفسه، ومن طرائف القول في هذا أن أحد الدعاة المشهورين لدينا حث في تغريدة له على (تويتر) إردوغان بمناسبة فشل الانقلاب على تطهير الدولة التركية من القوانين العلمانية، فرد عليه أحد أعضاء حزب العدالة التركي غاضبا وأمره بأن يخرس، ولسان حاله يقول له: أنت لا تفهم في السياسة وشبكة التعاملات المعقدة فيها فالزم الصمت.

وفقا لتحليل الخبراء في التحليل السياسي ما حدث في تركيا صراع على السلطة بين فصيلين إسلاميين، اتفقا في الهدف، واختلفا في الرؤية وآلية العمل، فالهدف واحد، وهو تحييد المؤسسة العسكرية التركية التي ظلت تاريخيّا الحامية للدستور العلماني للدولة، والرادع للأحزاب الدينية، وهي بمثابة الدولة العميقة في تركيا، وآلية العمل تختلف لديهما، فحزب العدالة انتهج منهج العمل السياسي العلني والدخول في الانتخابات، وحركة (خدمة) برئاسة كولن انتهجت العمل السري، وهو التغلغل في مفاصل الدولة، ففي تسجيل مصور لفتح الله كولن ظهر عام 1999م قال فيه «لا بد أن تتسللوا داخل شرايين النظام، حتى تتمكنوا من زمام السلطة، ويجب عليكم التحلي بالصبر حتى تجتمع كافة المؤسسات الدستورية إلى جواركم».

ووحدة الهدف لديهما أنتجت تحالفا بينهما لإنجاح المهمة، وقد نجح حزب العدالة بعد فوزه في السلطة وخلال عقد من السنوات في إقصاء الجيش بمساعدة جماعة كولن من خلال أعضائها المتغلغلين في الشرطة والقضاء والادعاء العام، وهم من سهَّل إقصاءها عبر قضايا ومحاكمات (إيرغونيكن) و(المطرقة)، وبعد القضاء على العدو المشترك الذي كان يجمعهما سعى كل فريق للاستحواذ على كامل كعكة السلطة، فبدأت الخلافات بين الفريقين، فبدأت في عام 2010م، ووصل مداها في عام 2013م باتهام ثلاثة وزراء من حزب العدالة بالفساد على يد مدع عام منتم لحركة كولن، واتهم إردوغان حينها جماعة كولن باستغلال نفوذها في الشرطة والقضاء للقيام بذلك، وقام بعملية استئصال نفوذ الجماعة من الحكومة، نتج عنه 50 ألف موظف مدني وشرطي تم تغيير أماكن عملهم، أو أقيلوا، وعملية الانقلاب الأخيرة التي نسبت إلى جماعة كولن كانت نعمة من الله كما وصفها إردوغان لتصفية حسابه معها، وهذا ما يفسر ضخامة أعداد المفصولين من العمل الحكومي في قطاعات عسكرية ومدنية شملت التعليم والإعلام والثقافة حتى موظفي الخطوط الجوية.

هذه قصة الانقلاب التركي باختصار، ولا شك أن من حق المراقب أن يكون له موقف بناء على نظرته بعيدا عن حكاية (الكفر الإيمان)، ولعل أجمل موقف هو ما عبَّر عنه أحد الكتَّاب العلمانيين المعارضين للحكومة بقوله: إنه يقف إلى جانب الحكومة المنتخبة في الصراع الدائر بين الحكومة والجماعة، فأكثر حكومة منتخبة فسادا أفضل من وصاية جماعة سرية، لأن الأولى يمكن إسقاطها عبر صناديق الاقتراع بخلاف الثانية.

[email protected]