محمد الحاجي

5 عوامل تشكل شخصيتنا على الانترنت

الأربعاء - 27 يوليو 2016

Wed - 27 Jul 2016

بعد سلسلة من الإساءات العنصرية والجنسية المتكررة التي شبهتها بالقرود، أعلنت هذا الأسبوع الممثلة الأمريكية Leslie Jones إيقاف حسابها في تويتر، منهزمة أمام طوفان التنمر والقبح. قبل مغادرتها كتبت تعليقا: «فهمت الآن لماذا يبتعد الكثير من المشاهير عن تويتر، الناس هنا مجانين».

أما في الخليج وبعد محاولة الانقلاب في تركيا، أغرق المتابعون حساب المطرب الإماراتي حسين الجسمي بعبارات ساخرة بسبب شخصية «الشؤم» التي تلاحقه في فضاء الانترنت. نشر الجسمي رجاءه الخاص للمتابعين بالتوقف عن حملة الإساءة ضده «حفاظا على مشاعره».

أمثلة التنمر هذه ليست جديدة على أحد، فقد تحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى غابات متوحشة وحدائق أفاعي لا يكاد ينجو أحد من سوط السخرية والإساءات فيها. هذا الفضاء الجديد الذي أعاد صياغة التواصل البشري بات موضوعا مهما للبحث والتحليل، ليس فقط من الناحية التقنية، بل لفهم أثره على المجتمعات والأفراد من ناحية نفسية واجتماعية.

حسب الأطروحة الشهيرة لعالم الاجتماع Mead، فإن لكل فرد منا شخصيتين مختلفتين تتفاعلان بين بعضهما البعض: الشخصية العميقة التي نأتي بها للدنيا وما نحمله معنا من أفكار نابعة من أنفسنا the i، والشخصية الاجتماعية التي تتشكل بناء على علاقاتنا الاجتماعية وحسب نوع المحيط بنا the me. وهنا أزعم إمكانية وجود شخصية ثالثة تحدد سلوك الفرد هذا العصر وتساعدنا لفهم سلوكنا على شبكات الانترنت، وهي الشخصية الرقمية the digital self. الشخصية الغريبة التي نتقمصها خلف الشاشات بين أروقة المواقع. وهنا نأتي لسؤال: لماذا نتصرف بشكل مختلف في الفضاء الالكتروني؟ لماذا تنتشر الإساءات على شبكات التواصل؟

هذه الأسئلة من الممكن إجابتها أو مقاربتها بشكل جيد باستخدام أثر التحرّر الرقمي the online disinhibiton والتي تناقش تحرر الفرد من الأعراف الاجتماعية حينما يتواصل مع الآخرين خلال الانترنت، حيث نتصرف هناك بشكل مختلف عن طريقة تواصلنا الطبيعية. هناك 5 عوامل قد تفسر سلوكنا على الانترنت:

1 عدم التزامن: التخاطب في الانترنت غير فوري، فمن الممكن أن ترد على تغريدة منشورة قبل أيام في ظروف معينة مختلفة عما تعيشه في حالة الرد. هذه الفجوات الزمنية تؤدي إلى سوء فهم محتمل وتغير في طبيعة المحادثة. يتم استغلال هذه السمة لبدء حروب نفسية وحملات تنمر على الآخرين لانعدام فرص الرد الفوري أحيانا.

2 الهوية المجهولة: من السهل فهم هذا العامل. عندما نقتحم عالم الانترنت باسم مستعار وهوية مجهولة، نأمن الناس، ونأمن أننا بعيدون عن المحاسبة، تنفلت عواطفنا وتنطلق مشاعرنا الحقيقية دون التوجس من ردود الفعل. ننطلق بكل قيود في مديحنا وشتمنا والتعبير عن تلك الأفكار والآراء التي ظلت حبيسة الصدور خوفا من المحاكمات الاجتماعية والقضائية.

3 تساوي السلطة: في أروقة الانترنت يتساوى رؤساء الوزراء مع مزارعي الحقول، ويتساوى طلبة الجامعات مع طلبة المرحلة المتوسطة. ميزان القوى متساو. الكل يظهر باسم مستخدم وفقط بدون أي رسميات وترسانات. بإمكانك أن تصف أي شخص مهما علا شأنه بأي وصف تشاء. هذه البيئة العادلة تزيل عوائق كبيرة وتعطي مساحة واسعة للتعبير عن الرأي دون التوجس من هيبة ومكانة الآخرين.

4 التخفي: عندما تصلك هذه المقالة، أنت لا تعرف، هل كتبها كاتبها راقصا من الفرح أو متجهما في بحر من الاكتئاب؟ حين تتناقش مع أحدهم في الفيس بوك، أنت لا ترى قسمات وجهه ولا لغة جسده التي تعكس الكثير من المعاني والرسائل غير المنطوقة. انعدام تعابيرنا الجسدية ونبرات الصوت في النقاشات النصية على شبكات التواصل له بالغ الأثر في تشكيل سلوكنا وتخاطبنا.

5 الوهم: ينزع المستخدم في شبكات التواصل إلى رسم شخصية خاصة في ذهنه عن بقية المستخدمين. فحسب المعطيات القليلة المتاحة له، يبدأ بتشكيل رأيه حولهم ويملأ الفجوات بما يتمناه: إن كان تقديسا للشخص أو تقريعا. وبسبب المساحة الآمنة لنا هناك بعيدا عن المراقبين والقيود نبدأ أيضا بتشكيل شخصية جديدة لنا قد لا تكون لها أي علاقة بشخصيتنا الحقيقية، ونتصرف بناء على هذه الأوهام.

عبر هذه العوامل تتشكل شخصيتنا الرقمية، التي تكاد لا تشبهنا في شيء. فهناك نصبغ لأنفسنا صورة مثالية أفلاطونية حالمة، وهناك نتحرر من القيود لتنطلق شياطيننا بين كلمات الشتم وعبارات التنمر والإساءات. ولكن وكما هو دوما، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.