طلال الشريف

جامعاتنا ونظام الثلاثة فصول دراسية

السبت - 31 يوليو 2021

Sat - 31 Jul 2021

مضى أكثر من 70 عاما على تأسيس أول نواة للتعليم الجامعي في بلادنا بتأسيس كلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1369هـ، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ونظامنا التعليمي الجامعي بالصورة نفسها، حتى وصل إلى مراحل متقدمة من الترهل التنظيمي وضعف الكفاءة الداخلية والخارجية والإنتاجية في عمومها.وقد كشفت العديد من الدراسات عن واقع نظامنا الجامعي ومظاهره الحالية، تمثلت في نمطية الجامعات حيث تحمل الجامعات الصورة نفسها في هياكلها التنظيمية وخططها الاستراتيجية وبرامجها الأكاديمية وممارساتها الإدارية والأكاديمية والمالية وعلاقاتها مع المجتمع.

وفقدان الهوية الخاصة للجامعات لأن معظمها وبالذات الناشئة منها بلا هوية خاصة تميزها عن غيرها، وتتسم بالتبعية والاستنساخ الكامل للخطط الاستراتيجية والتشغيلية وللخطط والبرامج الدراسية وممارسات الجامعات الكبرى والعريقة دون مراعاة للفارق الزمني والاحتياج البيئي والتنموي ومستوى الخبرات البشرية.

وتضخم الهياكل التنظيمية في الجامعات على مختلف المستويات التنظيمية من حيث عدد الوكالات والعمادات المساندة والكليات والأقسام الأكاديمية والإدارات والمراكز والمعاهد وأعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب.

وعجزها عن تحقيق مواءمة مخرجاتها لمتطلبات واحتياجات سوق العمل بحكم مسؤوليتها عن تطوير المجتمع وتلبية احتياجاته بسبب انكفائها على نفسها وضعف مستوى تأثيرها وعلاقاتها بالقطاع الخاص.

وضعف نشاطات البحث العلمي وغياب خططه الاستراتيجية وقلة الدعم المالي وضعف مراكز البحث العلمي في دعم نشاطات البحث العلمي وبراءات الاختراع وتسويق منتجاتها وتحويلها إلى منتجات اقتصادية.

وقدم البرامج الأكاديمية وعدم ملاءمتها للاحتياجات التنموية مع غياب ممارسات التطوير الدوري لها والممارسات المؤسسية في تصميم البرامج وبناء المناهج والتوصيفات.

وضعف معايير القبول في الجامعات وعدم كفايتها لمرحلة التحول الوطني والحاجة الماسة لأنواع أخرى من الاختبارات المتعلقة بالميول والاهتمامات فضلا عن المقابلات الشخصية العميقة.

وعزلة الجامعات عن محيطها الاجتماعي وغياب الشراكات الحقيقية والفاعلة رغم مسؤوليتها عن تطوير المجتمع وحل قضاياه ومشكلاته، وأخيرا ضعف كفاءة الإنفاق المالي والاعتماد الكلي على الإنفاق الحكومي مع ضعف مصادر التمويل الذاتي وعدم القدرة على تنمية الموارد الذاتية والاستثمار الآمن لمواردها نتيجة غياب المتخصصين في عمليات التخطيط المالي وإعداد الموازنات.

وفوق كل ذلك وأخطر مظاهر نظامنا التعليمي في الجامعات حجم الهدر التعليمي والزمني الكبير جدا، إذا ما علمنا أن عدد الأسابيع في العام الهجري نحو (51) أسبوعا فإن عدد (36) أسبوعا دراسيا لفصلين دراسيين في العام الجامعي الواحد قليل جدا، منها (11) أسبوعا هدر تعليمي، حيث (4) أسابيع للتسجيل والحذف والإضافة في كل فصل دراسي، و(6) أسابيع للاختبارات النهائية وأسبوع إجازة منتصف الفصل الدراسي، يتبقى (25) أسبوعا دراسيا فعليا. والفصل الصيفي (8) أسابيع دراسية منها (5) دراسة فعلية و(3) أسابيع للتسجيل والاختبارات. وبدقة فإن إجمالي عدد الأسابيع الدراسية الفعلية للفصول الدراسية الثلاثة (30) أسبوعا من إجمالي (51) أسبوعا في العام الجامعي، وكذلك الخطط الدراسية لمعظم الأقسام تتراوح بين (120-144) ساعة بمعدل يتراوح بين (16-18) ساعة في الفصل الدراسي الواحد وبمعدل أربع ساعات يوميا تقريبا طوال أيام الأسبوع، ما يعني هدرا تعليميا وزمنيا كبيرا جدا على مستوى الأسابيع الدراسية الفعلية وعلى مستوى الخطط الدراسية الأسبوعية لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع الشباب وطاقاتهم وقدراتهم ولا مع تطلعات النظام التعليمي الذي يبحث عن التميز والجودة في إكساب الطالب الجامعي معارف ومهارات أكثر عمقا لمتطلبات هذا العصر.

في ضوء هذه المشكلات التي تعاني منها جامعاتنا نحن بحاجة إلى مشروع وطني لتطوير جامعاتنا يتواكب مع مرحلة التحولات النوعية التي تعيشها بلادنا، يقوم على أساس اختصار رحلة الطالب الجامعي وتخفيض الهدر التعليمي والاستثمار الأمثل للوقت، وأعتقد أنه آن الأوان للتحول إلى نظام الثلاثة الفصول الدراسية وإطالة عمر الدراسة الفعلية للطالب الجامعي، واختصار رحلته التعليمية إلى تسعة فصول دراسية خلال ثلاث سنوات بدلا من أربع سنوات وتخفيض كلفة التعليم، وإلغاء الفصل الصيفي لاعتبارين مهمين، أحدهما غياب تكافؤ الفرص فيه وقصره على الطلاب المتخرجين وهم في الواقع متعثرون، لأن الطالب المنتظم دراسيا سينتهي وفق الخطة الدراسية الزمنية دون الحاجة إلى الفصل الصيفي، والاعتبار الآخر قصر الفصل الصيفي الدراسي وما يشكله من ضغط رهيب على الطالب وعلى عضو هيئة التدريس. وبحيث تكون المدة الزمنية لكل فصل دراسي من الفصول الثلاثة (14) أسبوعا تقريبا، وتقليص فترات التسجيل والحذف والإضافة إلى أسبوع واحد في كل فصل دراسي، وتقليص فترات الاختبارات النهائية إلى أسبوع واحد فقط في كل فصل دراسي. ويصاحب ذلك زيادة عدد الساعات الدراسية للخطط الدراسية بحيث لا تقل عن (162) ساعة ولا تتجاوز (180) ساعة وبمعدل لا يقل عن (5) ساعات يوميا طوال الأسبوع، وإحداث تغيير نوعي في المناهج الجامعية بحيث لا يكتفى فقط بتوصيفات المقررات ومفردات كل مقرر، بل يجب تصميم وبناء المناهج الجامعية الخاصة بكل جامعة وعدم تركها للاجتهادات الفردية أو إقرار بعض الكتب العلمية كمقرر جامعي باجتهادات فردية من أعضاء هيئة التدريس.

ويراعى أن يكون مشروع تطوير جامعاتنا على مستويين، مستوى مجلس شؤون الجامعات ومستوى الجامعات منفردة، حيث لا يكفي صدور نظام الجامعات الجديد من قبل الوزارة الذي يفتح للجامعات آفاقا كبيرة للتطوير النوعي لوظائفها الأكاديمية والبحثية والمجتمعية، بل هناك حاجة ماسة وعاجلة لقيام مجلس شؤون الجامعات بسرعة إصدار الكثير من السياسات والخطط والأدلة العريضة التي تسهل مهام الجامعات وتدفعها نحو التطوير، من أبرز تلك السياسات تصنيف الجامعات وعدم وضعها في سلة بحيث يكون لدينا ثلاثة أنواع من الجامعات: الجامعات البحثية وتمنح جميع الدرجات العلمية وتركز على البحث العلمي، والجامعات التعليمية تمنح بعض الدرجات العلمية وتركز على الجانب التعليمي، والجامعات التطبيقية التي تمنح بعض الدرجات العلمية وتركز على الجانب التطبيقي، وإعادة هيكلة الجامعات على مستوى بلادنا بإنشاء جامعات حكومية جديدة تطبيقية تتماشى مع هذا العهد الزاهر وتطلعات القيادة والتحولات النوعية التي تعيشها بلادنا وفي المناطق والمدن الأكثر أهمية كمدينة العلا ومدينة نيوم وغيرها، والتوجه نحو نموذج الجامعات المتخصصة في مجال واحد كمظهر من مظاهر تطور التعليم العالي في كثير من الدول المتقدمة، وقد يكون من المستحسن تجربتها لدينا في مجالين مهمين هما الطب والتربية بعلومها المختلفة.

وعلى مستوى الجامعات منفردة هناك أيضا حاجة أكثر أهمية لقيامها بدورها الفاعل في الحراك التنموي الوطني والسعي نحو التفرد وتحقيق الميزة التنافسية الخاصة بها بإعادة هيكلتها لتخفيف التضخم التنظيمي والازدواجية التنظيمية بتخفيض عدد الوكالات والعمادات والكليات والإدارات وتحوير معظمها بما يتناسب مع الاحتياجات التنموية الحقيقية التي تراعي المصالح الوطنية والمناطقية وإلغاء الكليات المتناظرة وفصل الكليات مزدوجة الهوية والتخصص مثل كليات العلوم والدراسات الإنسانية وكليات العلوم والآداب وما شابهها، وصياغة الرؤى والرسائل والأهداف والبرامج المناسبة لمقوماتها ولاحتياجات المنطقة التي تتواجد فيها بالدرجة الأولى بعيدا عن الاستنساخ والنمطية، والعناية الفائقة بالبحث والتطوير والابتكار برفع عدد الباحثين والطاقة الإنتاجية للبحوث والابتكارات ورفع الإنفاق على البحوث بما يتناسب مع المعدلات العالمية للممارسات المثلى وتوجيه البحث العلمي نحو مشكلات المجتمع ودعم المبدعين والمبتكرين وتطوير مهاراتهم العلمية وتمكينهم من تحويل أفكارهم إلى مشاريع ريادية تدعم النمو الاقتصادي لتحقيق التنمية المستدامة وربطهم بشراكة فاعلة مع القطاعين العام والخاص، والتركيز على جودة التدريس الجامعي في القاعات الدراسية والمعامل بتطوير برامج التنمية المهنية لأعضاء هيئة التدريس وتجويد عملية استقطاب الأعضاء الجدد واختيار المعيدين والمحاضرين وفق أعلى المعايير وإعادة النظر الكامل في معايير وعملية التعاقد مع الأساتذة غير السعوديين ليتم التعاقد مع الخبرات الحقيقية ذات السمعة والإضافة العلمية الكبيرة مهما كانت تكلفتها ومراعاة النسبة المتوازنة لأعداد الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس التي تتفق مع المعدلات العالمية المثلى، ويجب أن تكون عملية صناعة القادة الأكاديميين وتطويرهم وتصميم البرامج الأكاديمية وإعادة بناء المناهج الجامعية نقطة انطلاق وتحول الجامعات نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية بطرق علمية ومؤسسية معتبرة.

drAlshreefTalal@