عبدالله العولقي

عالم ما بعد الليبرالية الغربية

الأربعاء - 28 يوليو 2021

Wed - 28 Jul 2021

في عام 1991م، أدلى وزير خارجية الولايات المتحدة حينها جيمس بيكر، بتصريح مدو يشير إلى مستقبل العالم بقوله: إن العالم يتجه من الغضب إلى اللامبالاة، ومن العداء لأمريكا إلى ما بعد أمريكا، كإشارة تنبئية مبكرة حينها لما يحدث في عالم اليوم، أما المفكر الأمريكي الشهير فريد زكريا (من أصل هندي) فقد صنف كتابا أحدث دويا في الأوساط الثقافية الغربية، وسمه بعالم ما بعد أمريكا، حذر فيه من تجاوز العالم أمريكا، بقوله: إن الأمريكان طافوا العالم في الثمانينات والتسعينات مطالبين العالم بالانفتاح والسوق الحرة، وعندما استجاب العالم لهم بدؤوا منغلقين ومتصلبين، ففي الوقت الذي ينفتح فيه العالم على بعضه تنغلق أمريكا على نفسها!!.

بعض مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية أشارت بالفعل في تقاريرها المستقبلية إلى تجاوز العالم حقبة الليبرالية الغربية، فتشير مثلا إلى أنه في عام 2050 ستتغير مراكز القوى الاقتصادية العالمية عما هي عليه الآن، وسيكون الترتيب الاقتصادي العالمي كالتالي: الصين - الهند - الولايات المتحدة - إندونيسيا - البرازيل - روسيا - المكسيك وأخيرا اليابان، هذه التغيرات الفعلية تشير إلى عامل الكثافة السكانية ودوره في التنمية بعد أن كان عامل إعاقة في الماضي، كما أن نظرة سريعة لهذه القائمة تخبرنا كيف أن دولا تعد خارج منظومة الليبرالية الغربية كالهند وإندونيسيا والبرازيل ستتجاوز اقتصاديات غربية تقليدية كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وهذا ما يعنيه مروجو فكرة عالم ما بعد الغرب.

يقول الدكتور نصر محمد عارف: هذه الحقائق الجديدة لعالم ما بعد الغرب قد بدأت اليوم تنعكس على مستوى التحالفات الدولية، سواء الآنية أم المستقبلية، بالإضافة إلى إعادة ترتيب مناطق مختلفة من العالم بما فيها منطقة الشرق الأوسط، فتغير مراكز الاقتصاديات العالمية سيؤثر حتما على نمطية السياسة الدولية وطريقة التحالفات العالمية.

عالم ما بعد الغرب ليس نظرية تنبئية يروجها بعض المفكرين والكتاب فحسب، بل هي استراتيجية سياسية قائمة تدعمها الصين وروسيا ضد الولايات المتحدة، ففي مقابل شعارات الغرب المتمثلة بالديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان تقدم الصين شعارات جديدة ترتكز على نظم التعددية الثقافية، وعالم متعدد الأقطاب، وهي شعارات جذابة تجد لها قبولا واسعا في جغرافيا متنوعة حول العالم، لا سيما في أمريكا الجنوبية واقتصادياتها الناشئة كما في البرازيل والأرجنتين والمكسيك.

وأخيرا، عندما اندلعت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كانت هناك نظرة ثقافية منتشرة بين بعض المفكرين تشبه إلى حد ما فكرة عالم ما بعد الليبرالية الغربية، ولكنها أخفقت في فهم حقيقة الولايات المتحدة، فهل يعيد التاريخ نفسه، وتبقى حضارة القطب الواحد هي المهيمنة على العالم، أم إن الظروف التاريخية متباينة تماما، وأن العالم بدأ يستعد بالفعل إلى حقبة تاريخية جديدة؟

ALBAKRY1814@