شاهر النهاري

كيف تنظر لنا المواشي؟

الاثنين - 26 يوليو 2021

Mon - 26 Jul 2021

فلسفة طفولية عنت على رأس ذي ست سنوات يسأل، وهو ينظر بحسرة لخروفه الحبيب يقاد للمذبح، غير مقتنع بما يقال في مثل تلك المواقف، فكان لا بد من فلسفة لغة العصر الافتراضي، والسياسي والعبثي.

المواشي مستسلمة للإنسان منذ البدايات، رغم امتلاكها للعظام والعضلات، والعقول وإن قصرت عن تخيل حقيقة ما يحدث، ولكنها تخاف وتتحسب، وتتعظ بما يحدث لغيرها، وتحذر أهل جنسها، وتحاول الهرب، مشككة في النيات، فهي وإن ركنت لنا يوما ونحن ندللها، إلا أنها تظل تستشعر الخيانة حينما نقودها لحتفها، بخدعة السلام والأمان.

تفتق المدارات الذهنية، التي يمتلكها البشر تختلف كثيرا، بخبثها وكذبها، وعقل الماشية يظل يفشل في التفريق بين البشر، فهذا حليم كالملائكة، وهذا شرير كالشياطين، وهذا جني خفي، ولعل نظرتها القاصرة تؤطر الكنه بغيره، فتحسبنا مخلوقات فضائية أتت من مجرة سحيقة، بأهداف المراقبة اللصيقة، واختبار الدم، وتذوق طعم اللحم، وشفط ما بداخل العظم، بعد رفع درجات الحرارة حد التشويح والشوي، والطبخ.

عقول الماشية محدودة مستسلمة للموروث لا تقرأ، ولا تكتب، ولا تخترع، ولا تنتقد ولا تبلغ فلسفة، ولكنها تستطيع تقدير نشاز الأحوال وخطورتها، وتتهيأ للهروب، ونتائج تجربتها المربوطة ليست طويلة، ولا متكررة، ووجود الحبل المتدلدل من رقابها، دليل انعدام حريتها، أو محدوديتها، وهي تمعن بقضم الموجود تلاهيا عما تراه على جوانب المدى، رغم معرفتها بأنها مرصودة مسيرة.

في مخيلة الخراف تتعارك المعاني، فتحزن وتكتئب، وتتعود سجنها المؤلم، ولكنها لا تتوقف عن القضم والشفط، حتى وإن كانت تلك الصور آخر ما تراه في حياتها.

وكم تودع اليأس، فلا تستسلم إلا لحظة رؤية البريق، وفقد الرؤية، فهي تشك بأن ما يحدث لها مؤامرة ومخطط أكبر من إدراكها، وأن من يسيرونها دون تخيير أعظم وأكبر وأقوى وأخبث منها، وكم تحلم بعدالة ومساواة، ولكن حبل الرجاء يظل وهميا، ما يجعلها تيأس عن تحين حيلة الهرب، ولو في حدود حبالها؟

الماشية لا شك تمتلك لغات هجينة بدائية خاصة بها، وقد نميز أصواتها ونسميها بالثؤاج، والمأمأة، والثغاء، والخوار، والشحيج، إلا أنها دون شك تعني لها أكثر مما ندرك، فبها تنادي على بعضها للتقارب والاستنجاد والتزاوج، وهي وسيلتها لتربية الصغار وتحذير الجموع من اقتراب الخطر، وهي مفهوم تعايش وتناغم وتسلية في مساراتها بين المراعي، وقد يطربها صوت حسن، ويجمعها، وكم يبعدها حس النشاز، فصوت هياج الخوف، وخبطات نفير الهروب أكثر ما تتفق على تنفيذه دون تردد.

صغارها يحتاجون بعض الوقت للتسمع، والتمييز والتجريب، ومزاولة التقليد، مهما اختلفت نبرة ودرجة الصوت، يطبعونها في الجينات والذاكرة الجمعية، لتخليد المعاني ومقاصدها، واستجلابها في حالات الحميمية أو الخطر المحدق.

يا صغيري، كم من الصعب تخيل حال المختلفين عنا، وممن ليسوا منا، والحكم على مشاعرهم ونوازعهم وقدراتهم، التي لا ندرك خصوصيتها بالكامل، وهي قدرة قدير على ضعيف، وسطوة مندسة في عوالم النفس، والأنانية والطموح والشر، وحب التملك والحقد والانتقام، والطمع بما يخبئه المستقبل، وإثبات اليقين بالقدرة على التصرف، وظنون معرفة النتائج بتكرار الفعل بغباء، وللأسف فمن يدخل المذبح لا يعود ليحكي تجربته لمن بعده.

shaheralnahari@