محمد الأحمدي

عناق حميمي قتل صاحبه

الثلاثاء - 13 يوليو 2021

Tue - 13 Jul 2021

من طبيعة الصحافة اللندنية أن تختزل الحدث، وتفتته، وتتقاسمه أحيانا، ثم توظفه لمصالحها، وأجندتها السياسية، والاقتصادية، ثم تسعى لصناعة التأثير الثقافي في قرائها عبر ما تتناوله من صغائر الأحداث بشكل مستمر للحفاظ على الإثارة التي تجلب الربحية، وتضمن لها ديمومة البقاء في تحقق أيدولوجيات تلك الصحف ومموليها.

وفي نهاية الأمر هي صناعة استثمارية قائمة على صناعة الإثارة من الأحداث اليومية، وهذه الصناعة الاستثمارية الفردية التي شاعت في القارة الأوروبية قبل وبعد الثورة الفرنسية، وترسخت بعد الحرب العالمية الثانية في نموذجها الحديث، صاحبها صناعة قيم مجتمعية قابلة للتطوير أو على الأقل تغيير الأولويات المجتمعية عند تناول القضايا، أو بناء غلاف سياقي تشريعي للممارسات الحديثة.

وعند التعرض لهذا المجال فإن من الضروري الرجوع إلى الفلسفة الفكرية البنائية التي ظهرت في تلك المجتمعات، وحاولت أن تعطي للبناء الاجتماعي، والعرف التشاركي أهمية في صناعة هويته، ومنظومة قيمه المجتمعية.

وعلى الرغم من تعدد المدلولات لهذه الفلسفة، إلا أن الكيانات الفردية تجتمع مع بعضها في روابط متماسكة لتكون البنية الكلية، وبهذا المنطق الفلسفي فإن سهولة تشكيل الروابط الفردية أو التلاعب بها أو صناعتها عبر التأثير المستمر في الأجيال يصنع كليات مرغوب فيها من الأقلية المهيمنة في المجتمع.

وقد اتخذت هذه الصناعة القيمية الديمقراطية مطية لها لقدرتها على تحقيق الدور الوظيفي التشاركي في صناعة تلك المشتركات القيمية أو ترتيب أولوياتها في المجتمع، لا شك باستقرار هذا المبدأ في صناعة هوية المجتمع الأوروبي، إلا إن صاحبه صورة ظاهرية تسوق للجماهير، وصورة مستترة خلف ستار الحقوق الفردية، أو الحرية الشخصية... إلخ تمثل الحقيقة، وهذا ما أشار إليه الكسندر زينوفييف في أن التظاهر بالعمل لا يتطلب سوى نتيجة ظاهرية، حيث إن القائمين على تقييمه جزء من الاستفادة من ديمومته، ومرتبطون بمصالح استمراريته، وهنا فإن النزاهة بمفهومها القيمي والأخلاقي في ذلك المجتمع عملية ظاهرية للحفاظ على الصورة الخارجية للنظام، بينما الواقع المستتر واقع تواطئي يناقض القواعد المعلنة.

ومما يدل على صحة رأي زينوفيف في ترويج وجهي العملة المتناقض، وتسطيح القضايا المثارة ما سربته مؤخرا صحيفة الصن البريطانية من عناق حميمي بين وزير الصحة البريطاني ومستشارته التي ثارت على إثرها موجة احتجاجية في الأوساط المجتمعية البريطانية أدت باستقالته من منصبه، وليس في هذا غرابة لمنتهك منظومة القيم المجتمعية حيث يعتبر الفردان جزأين منفصلين لكل منهما تشكيل كيان مستقل في منظومة مختلفة من منظور الفلسفة البنائية التي تهتم بالجزئيات.

ولكن الغرابة أن الاحتجاجات لم تتعرض لحماية منظومة القيم الأسرية، أو الحفاظ على نزاهة الشراكة الزوجية، أو أخلاقيات العمل، أو احترام الذوق العام، وإنما تمحورت حول فكرة سطحية تمثلت في الإخلال بالإجراءات الاحترازية في التباعد الاجتماعي، وكسر البروتوكول الصحي الذي طالما كرره الوزير على أسماع البريطانيين طيلة السنوات الماضية حتى أصبحت زيارة الأقارب جريمة يحاسب عليها القانون.

لماذا تم تسطيح الأمر في الإعلام، والأوساط المجتمعية المؤثرة في الرأي العام، دون تسليط الضوء على انتهاك منظومة قيم الشراكة الزوجية بمفهومها الأخلاقي البريطاني على الأقل.

السبب أن العلاقة الوثيقة بين المجتمع والسيد الوزير علاقة عقد اجتماعي، حيث منحه الثقة في تمثيله، والحفاظ على مصالحه، وبالتالي عندما أخل بهذا العقد الاجتماعي ثارت عليه الجماهير، وتجاهلت العمل الذي قام به بدعوى الحرية الشخصية في العلاقة بين الطرفين، وهنا استطاع صانع الرأي بأن يلعب على أسباب تتناسب مع القانون الوضعي، وإبراز أهمية القانون الاحترازي على ميثاق الزوجية، وبناء الأسرة، وسطح الجدل المنطقي بتغيير الذرائع المستترة بمنطلق الحرية في الممارسات اليومية الشخصية للفرد الواحد.

إن تحقيق قاعدة النزاهة ليست مستحيلة في تلك المجتمعات، بل تتمثل في القدرة على إبقاء الصورة الظاهرة للمجتمع مفككة، وعلى المجتمع أن يقوم بتجميعها كل على قدرته، ويستخدم اللغة المفرغة من إضافة المعاني المنطقية الجديدة، والإصرار التكراري على تدوير المعنى الواحد بصور مختلفة، وتحت ذرائع متعددة، أو إثارة الزوابع التي تصب في ذات المعنى، ولكن بأشكال مختلفة عند أخذ مبدأ اللعب على الجزئيات التي تشكل الكليات النهائية.

لكن في نهاية المطاف، قتل عناق حميمي في المجتمع التحرري الذي يشرع للمثلية، والشذوذ مستقبل الوزير.

alahmadim2010@