محمد الأحمدي

الأكاديمي المتقاعد

الثلاثاء - 06 يوليو 2021

Tue - 06 Jul 2021

بعد رحلة مليئة بالرحلات العملية، والسهر على النشر العلمي، والعمل الأكاديمي المتصل، والاتصالات التي تلاحق السيد الأكاديمي حتى في نهاية الأسبوع، وملاحقة كلمة يا دكتور التي يستفتح بها كل حوار معه، وتتردد على مسمعه أينما حل وارتحل لمدة تجاوزت الثلاثين عاما، قرر الدكتور الأكاديمي المتقاعد أن يستمتع بما تبقى من العمر مع عائلته المشغولة بشؤون الحياة.

وفي أول يوم تقاعد أصبح فيه بالمنزل سألته زوجته عن كيف تحب القهوة اليوم، فأجابها الدكتور المتقاعد وهو مستلق على ظهره بخطوات البحث العلمي الذي طالما كرر تدريس هذه العمليات لطلابه طيلة ثلاثين سنة من حياته.

إن اهتمامك يا عزيزتي بصناعة فنجان القهوة وتقديمه لي في هذا الصباح نسميه بنقطة الاهتمام البحثي الذي تجذب الباحث للولوج في المجال التخصصي، وهي بداية الإبحار في الرحلة البحثية، لكن في حالة إن حاولت أن تقدمي لي فنجان القهوة لأنك شعرت بأني متوتر ومتعب وأعاني في هذا الصباح فإن الوظيفة تتغير بتغيير المسبب لها، ولذا فإنها تسمى بالمشكلة البحثية التي تساعد الباحث في الوصول إلى حل أو على الأقل اكتشاف ومعرفة ما يحيط بها.

وفي حالة بدأت بالتفكير والتأمل ومراجعة ما تناولته من طعام ليلة البارحة في العشاء، أو سؤالي عن تناول أدويتي لمعرفة سبب تعبي هذا الصباح؛ فإن هذه العلمية من أثقل العمليات على الباحث ونسميها بمراجعة الأدبيات البحثية التي تحدد الفجوة البحثية، وقد ينتج عنها بأن تفترضي بأن القهوة ربما تزيل التعب الذي ترينه علي؛ فهذا مبدأ الفروض البحثية التي تربط بين متغيرين واختبار صحة أو عدم صحة العلاقة بينهما.

ويجدر الذكر بأن المبادرة في عمل فنجان القهوة بعد افتراضك بأنه ربما يلعب دورا في تغيير حالتي الصباحية؛ فإن هذه الخطوة نطلق عليها سد الثغرة العلمية وتقديم معرفة للمهتمين بالمجال العلمي وإرضاء الشغف العلمي لدى الباحث، وعلى أمل بأنك افترضت بأن القهوة كفيلة بتغيير الحالة التي أنا فيها وبدأت بمراقبتي أثناء تناولها فإننا نسميه يا سيدتي بقياس الفاعلية في التدخل العلاجي؛ فإن طلبتك بعدها للخروج من المنزل لشراء الاحتياجات الضرورية أو الاهتمام بالحديقة أو أصبحت أجوب المنزل نشيطا فإن هذا يسمى بحجم الأثر الذي خلفه فنجان قهوتك في نفسي وعلى حجم النشاط يقاس الأثر.

أما يا سيدتي إن حافظت على وسائل السلامة أثناء عملية إعداد القهوة، وتلافيت حدوث أي ضرر في المطبخ فإننا نسميه بأخلاقيات البحث التي تحمي المشاركين من وقوع المخاطر عليهم عبر الزمن، لكن تخيلي بأنك واجهت مشكلة في ماكينة القهوة أثناء إعدادها واضطررت إلى صناعتها بطريقة مختلفة فإن هذه العملية نطلق عليها بالمحددات البحثية أو جوانب القصور التي يقدمها الباحث لغيره ليوضح له الموقف التي نتجت منه المعرفة، وربما ينبثق منها توصيات علمية مستقبلية.

لا أشك في مهارتك في صناعة القهوة فرائحتها تملأ المكان، ولكنك إن رغبت أن تنقلي خبرتك حتى يتعلم من يصنع فنجاله بنفسه بذات الخطوات فإن عليك شرح طريقة الإعداد وتوضيحها بالتفصيل وهذه هي المنهجية البحثية، وما يتعلق بها من مكونات كثيرة يختلف حولها العلماء، ولكن سأورد لك مثالا واحدا، إن في حالة اهتمامك بالأولية في تسلسل خطوات إعداد القهوة وعدم تقديم خطوة على أخرى؛ لأنها قد تغير الجودة فإن في البحوث المختلطة تسميه بتقدير الأولية التي تلعب دورا كبيرا في اختيار تصميم الدراسة.

حقا إن هذه القهوة معدة بطريقة جيدة، وإن بدأ الناس يسألونك عن طريقة إعدادها وإعجابهم بها وطلب وصفتها فإننا نسميه بتعميم النتائج على الأقل لمحبي القهوة.

أصبح الدكتور المتقاعد يمارس محاضرة صوتية في المنزل على السيدة المشغولة، ولكنها ولت مدبرة تردد في نفسها بأن الله قد ردك إلى أرذل العمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أفاق الأكاديمي المتقاعد من وهمه، وعاد يستطعم طعم القهوة التي لم يتلذذ لا بطعمها ولا رائحتها بسبب تفكيره العميق في خطوات البحث العلمي، ولكن لحسن الحظ أن الدكتور المتقاعد بعد سماع تلك العبارة القاسية من زوجته قرر أن يتخلى عن ذكرياته الجامعية، ويعيش حياة ما بعد التقاعد بسلام وراحة كما هي لا كما كانت رحلة عمله.

alahmadim2010@