عبدالله قاسم العنزي

شروط صحة تسبيب الحكم القضائي

الاحد - 04 يوليو 2021

Sun - 04 Jul 2021

لقد لعبت قواعد الشكل دورا كبيرا في إجراءات وإصدار الأحكام القضائية، فلا بد أن تتم وفق إجراءات شكلية محددة، ولما كان العدل هو مسعى القضاء، فإنه لا بد من وسيلة يعبر من خلالها القاضي عن عدله فيما خلص إليه في منطوق حكمه، ولا بد أيضا من الوسيلة ذاتها؛ ليتمكن الخصوم والقضاء الأعلى والرأي العام من مراقبة القاضي للتأكد من أنه لم يفصل في النزاع بناء على هوى ومیل شخصي، وإنما بناء على أسباب واقعية وشرعية وقانونية.

كما أنه عند صدور الحكم لا بد من أن يكون هناك مجموعة من الشروط يتحلى بها لكي يكتسب قوة ومتانة، ولكي يأتي الحكم متوافقا مع ما تقتضيه العدالة، وبالتالي يضمن رقابة المحكمة العليا وهذه الشروط نذكرها على النحو التالي:

أولا: لا يكفي لتسبيب الحكم أن تكون الأسباب قائمة في مخيلة القاضي أو في ضميره، بل لا بد أن يكون لها وجود في العالم المادي، ويجب أن تستمد أسباب الحكم من إجراءات الدعوى؛ فالدعوى هي المصدر الوحيد الذي يجب أن يستمد منه القاضي معطيات قناعته وقد أكدت المادة الـ166 من نظام المرافعات الشرعية على شكلية صدور الأحكام القضائية ونصت على ذكر أسباب الحكم في صك منطوق الحكم؛ فالخلاصة مما تقدم أن أسباب الحكم هي شكل إجرائي لازم لصحة إصدار الحكم؛ لذلك يجب أن يسبب كل حكم بصورة صريحة بأسباب سائغة كافية تفيد بغير إبهام ما استند إليه القاضي في تكوين قناعته.

ثانيا: إن كفاية الأسباب هو نظام فرضته اعتبارات عديدة فرقابة المحكمة العليا وتمكن الخصوم من معرفة المسوغات والدوافع التي قادت المحكمة إلى قضائها يتطلب أن يكون الحكم مسببا، ومجرد التسبيب لا يحقق أية من هذه الاعتبارات ما لم تكن هذه الأسباب كافية؛ فيكون التسبيب كافيا إذا كانت أسباب الحكم مستمدة من مصادر صحيحة وثابتة أي من الوقائع الثابتة بأدلة إثبات صحيحة قانونا، وأن تكون هذه الأسباب كفيلة بتحقيق وظائف التسبيب المتعلقة بالمصلحة العامة والخاصة على حد سواء، ولكي تكون الأسباب كافية لا بد من إيراد جميع أسباب الحكم بصورة واضحة وبعيدة عن الغموض؛ لأن الغموض يعد من العيوب التي تؤثر على تسبيب الأحكام بمعنى لا بد من ذكر البيانات اللازمة للتسبيب والرد على المسائل التي يقدمها الخصوم، ومن ثم مراعاة الشروط اللازمة في الأسباب نفسها، ونؤكد أن الفقه نص على أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتتبع الخصوم في جميع أقوالهم أو حججهم أو طلباتهم، وأن ترد استقلالا على كل منها ما دام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه.

ثالثا: إن الشرط الثالث لصحة التسبيب هو شرط منطقية الأسباب، ويفترض هذا الشرط أن الحكم يتضمن أسبابا موجودة وكافية، ويعد التسبيب منطقيا إذا كانت الأسباب التي بني عليها الحكم من شأنها أن تؤدي عقلا ومنطقا إلى النتيجة التي انتهى إليها بمعنى أن القاضي لا يصل إلى النتيجة التي يخلص إليها في حكمه إلا بالقيام بعمليات ذهنية متتالية، وهذه العمليات يجب أن تكون محكومة بقواعد المنطق حتى تكون أسباب الحكم التي تترجم النشاط الفكري والذهني للقاضي مقنعة للخصوم.

expert_55@