ياسر عمر سندي

الهندسة تخصص يهدم المجتمع

الأربعاء - 30 يونيو 2021

Wed - 30 Jun 2021

من الظواهر التي تعتري المجتمعات التغير الحتمي الحاصل عليها لتواكب الاحتياجات المتغيرة في كل حقبة زمنية، ومنذ العصر الزراعي مرورا بالعصر الصناعي إلى أن وصلنا للعصر المعلوماتي حدثت نقلة نوعية وكمية أثرت في العالم، ولأن التغيير هو سنة الحياة ورتمها المتسارع أصبحنا نعيش حاليا في ظل ما يسمى بـ«عصر المعرفة». Knowledge Age، والذي يعتمد على عنصر الخبرة والمهارة الكامنة في عقول البشر والتي تسمى بالمعرفة الضمنية، أي أنها لا تزال ضمن حدود عقل صاحبها إلى أن يشاركها مع الآخرين وتسجل كبراءة اختراع فتنتقل إلى قالبها الثاني لتصبح معرفة صريحة ومعلنة وموثقة، وهي الحالة التي يتم الاعتماد عليها كمخرجات الاختراعات والابتكارات، هذا ما توصل إليه ونشره المستشار وعالم الإدارة الأمريكي بيتر دراكر في كتاباته بداية التسعينات الميلادية وأسماها فلسفة «إدارة المعرفة».

الانتقال إلى العصر المعرفي هو توجه مجتمعي وعالمي نحو الاقتصاد القائم على المعرفة البشرية لإنعاش الشعوب بالإبداعات الإنسانية، وهنالك من أتقن التعامل مع العصر المعلوماتي السابق وأساء لفلسفة المعرفة اللاحقة وشوه مقاصدها وأفسد قيمتها ومارس الاصطياد في الماء العكر ونشر شباكه المترامية على أفراد المجتمع لإيقاعهم وتوريطهم واستغلالهم بأساليب تقنية متنوعة اعتمدت على استخدام الحاسبات والشبكات والبرمجيات والتطبيقات وهي ما يسمى بـ«الهندسة الاجتماعية» Social Engineering وهي طريقة اختراق العقول بكل ما يمتلكه المهندس الاجتماعي من إمكانات يستخدمها لتطويع الناس واستمالة مشاعرهم بإسقاطات القرصنة النفسية واستخدام المهارات اللفظية المنمقة والمعسولة لجذب البسطاء وهذا هو سبب التسمية بالهندسة الاجتماعية لمقدرة الشخص المعتدي على استخدام تفكيره لتدبير الحيل وإيجاد الحلول المنطقية التي يرمز لها بالهندسة وإسقاطها على أفراد معتدى عليهم مجتمعيا.

ربما يتساءل القارئ الكريم وما الغرض من وراء كل ذلك؟

على المستوى الشخصي فإن العبث في عقول الآخرين والنبش في صناديقهم المغلقة من خلال الدخول السلس وقدرة الحصول على مفتاح البوابة النفسية وكسرها هو ذاك الهدف المنشود للمهندس الاجتماعي باحتراف وسرعة بديهة من خلال التركيز على الجوانب العاطفية واللعب على المشاعر لما يملكونه من الاستعدادات العالية لتقمص أي دور يتطلبه الموقف بسلوكيات لفظية وفعلية وإيمائية واستقراء شخصية الضحية والنمط الغالب عليها، وكذلك الاحتياج المادي والمعنوي الذي تنشده ونقاط ضعفها الرئيسة وتكوين علاقة طويلة الأجل قد تصل إلى أشهر لمنح الثقة حتى يصل المهندس إلى غرضه الشخصي وهو السطو الآمن والسرقة الناعمة.

أما على المستوى التنظيمي فالمهندس الاجتماعي يبحث في سلال المهملات والمحذوفات لأنظمة الشركات ويقوم بلعب دور مندوب الدعم الفني والتسويقي وبمجرد التواصل مع الموظفين والاستحواذ على الأرقام السرية مثل كلمة المرور Password واسم المستخدم User Name تتم القرصنة بنجاح وغزو ثغرات وسائل التواصل الاجتماعي كالهواتف الذكية والبريد الالكتروني والشبكات العنكبوتية بطرق مباشرة وغير مباشرة كتسويق المنتجات أو أخذ الآراء والاستبانات أو عرض الخدمات أو تقديم الشراكات والاستشارات لتنمية الثروات والمساهمات بطرق وهمية.

الثقافة العامة واليقظة والفطنة والبعد عن منح الثقة التامة والحذر يحتاج إليها المجتمع من رجال الأعمال والموظفين وغيرهم من الطلاب والمتقاعدين وربات البيوت والأبناء في هذه الأيام. بالتنبيهات المتكررة والنصائح الدائمة والمنشورات الداعمة ربما الشركات والمنظمات أكثر حذرا من أفراد المجتمع بسبب بناء الحماية للأنظمة الآلية والتي تتصدى لهجمات الهندسة الاجتماعية المتكررة، لكن يبقى الدور المجتمعي برفع الوعي الشعبوي والقانوني لحماية المغفلين لأن المهندس الاجتماعي شخص انتهازي يهتم بتحقيق غاياته مقابل هدم المجتمع.

Yos123Omar@