أمين شحود

بدون شطة

الاثنين - 28 يونيو 2021

Mon - 28 Jun 2021

ذات ظهر وقيظ، وبعد خروجنا من المدرسة أيام المرحلة الابتدائية، دخلت إلى بوفيه لأشتري ساندويتش، فسألني العامل: مع شطة ولا بدون؟

فقلت له: بدون - كعادتي منذ نعومة أظفاري -، وكان بجانبي طفل شرير من أولئك الأطفال الذين إذا رأيتهم استعذت بالله من شياطين الإنس وعفاريت الجن وأن يحضروا؛ فتهكم علي وتنمر وضحك كثيرا وتمسخر، ثم قال لي بصوت مزعج ونبرة مستغربة: أتخاف من الشطة؟! هل أنت مسكين؟.

لست أدري ما علاقة المسكنة بالشطة؛ لذا لم أحر عندها جوابا وأخذت طعامي ورجعت للبيت متأثرا متألما أفكر في كلام ذلك العفريت وبداخلي صراع بين ما اعتدت عليه والتحدي الجديد الذي يواجهني، وصار عقلي يردد عبارات الطفل المشاكس: أتخاف من الشطة؟! هل أنت مسكين؟

ثم إنني قررت أن أستجمع قواي وأتصالح مع فكرة وجود الشطة داخل طعامي، وأن أطرد الخوف من داخلي لكي لا يتهكم علي الأولاد ولأصبح قويا وأودع حياة الطفولة.

مع مرور الشهور لم أعد أستغني عن الشطة ليس مع السندوتشات فحسب بل مع غالب أنواع الطعام!.

هذا بالضبط ما يحدث عندما يتعلم الطفل أو المراهق عادات سيئة كالتدخين والحشيش والتفحيط والتمرد ونحو ذلك، تبدأ بفكرة من البيئة المحيطة مصحوبة بعبارات الانتقاص إن لم تفعلها، وفي غياب التربية والدعم يصبح المراهق أسيرا لصراعاته متطلعا للجديد معتقدا أنه يحقق ذاته ويعزز مكانته ويكمل رجولته.

إن الذي يقلل من دور البيئة والأصدقاء والمجتمع في توجيه شخصية الإنسان وبرمجة سلوكياته هو مخطئ حتما، إذ ليس الأثر هو ما يظهر اليوم أو غدا إنما تتراكم التأثيرات حتى تتضح جليا وربما يحدث ذلك خلال سنوات، ومن ذا الذي يستطيع عزل نفسه عن المجتمع؟! أتذكرون ما قاله العالم للرجل الذي قتل 100 نفس وجاءه يريد التوبة؟ «اذهب إلى قرية كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع لأرضك فإنها أرض سوء».

تقول كريستين شولز، من جامعة أمستردام «إن العادات الصحية الخاطئة التي يمكن تجنبها، مثل التدخين، هي أكبر مسببات الموت، وهناك الكثير من المعلومات المتاحة عنها على الإنترنت، لكن أفعال وسلوكيات الأصدقاء ستؤثر، شعوريا أو لا شعوريا، على قرارنا بالامتثال للنصائح الصحية أو تجاهلها».وعودا إلى الشطة فإن لها فوائد عديدة، فقد أخبرني صديق لي من شبه القارة الهندية أن للشطة سبع عشرة فائدة وذكر منها: تسكين الآلام و«مخمخة» الدماغ وتقليل الالتهابات وطرد السموم وتخفيف الحكة وإنقاص الوزن وعلاج نزلات البرد والاحتقان وحماية الجهاز العصبي ونحو ذلك.

لكن الفائدة العظمى التي لا يعلمها ابن الهند والتي تجعلني في كل مطعم أدخله أردد عبارة «كثر شطة لو سمحت»، أنها تشعرني بالثقة وتمنحني الأمان بأنني لست بخائف ولست مسكينا.