حنان المرحبي

مصنع الأفكار

الاثنين - 25 يوليو 2016

Mon - 25 Jul 2016

لنغص قليلا في الدماغ، ونحاول أن نتعرف كيف تصنع وتفرز الأفكار.

أولا دعوني أبدأ من تحديد معنى الفكرة كما أتصوره شخصيا «وليس من المهم أن نتطابق في المعنى». الفكرة في نظري هي تصور ذهني يتعلق بشيء أو أمر نعتقد بوجوده، أو بمعنى آخر هي رؤية حول أمر ما (صفته، لونه، تأثيره، شكله، رائحته)، لا يلزمه الوجود المادي، بل قد تكون أغلب الموجودات والأفكار في ذهن الإنسان ليست حسية (لا طعم لها ولا رائحة ولا لون ولا شكل، ولا حتى ملمس).

وبزوغ الفكرة قد يشعر الإنسان بالفهم. لكن ذلك الفهم ليس بالضرورة أن يعني اليقين، فمعظم الحقائق مبنية على فرضيات لا تزال قابلة للتفنيد متى ما ظهرت العقول التي تملك القدرة على ذلك.

من أين تأتي الفكرة؟ تخيل أنك تمشي في الصحراء، وفي أثناء سيرك، بدأ يظهر أمامك شيء يسقط من السماء ولكن لا يصل إلى الأرض أبدا. ماذا يحدث أمامك؟ هل تستطيع أن تتصور تلك الحركة المتناقضة، وما يجري؟ لا أستبعد أنك بدأت بالشك في حواسك، هل تعجز عن إدراك وتركيب صورة ما يجري؟

لماذا تعقد التخيل هنا؟ لماذا توقفت الرؤية ولم نعد نستطيع قول شيء (فكرة) حول ذلك الشيء؟

لا تستطيع أدمغتنا أن تخرج بفكرة أو رؤية حول شيء لا تملك عنه أي تجربة أو معرفة مسبقة. وفي مثالي أعلاه توقفت الرؤية عند الحد الأعلى لها، أي عند سقف معرفة الإنسان (آخر ما رآه وتعلمه). هنا لا يستطيع العقل أن يقدم شيئا جديدا إلا بالاقتراب أكثر من الحدث ومراقبته وجمع البيانات حوله وتحليلها ومقارنتها، كي يصل إلى صورة يستطيع أن يميزها ضمن صورة كبيرة (الصحراء ومحيطها) أو مقارنة بشيء يعرفه مسبقا (أمور أخرى شبيهة تسقط من السماء)، ليدركها.

رأيتم كيف يكون حال العقل وهو يحاول أن يصنع فكرة من ذاكرة خالية.

في حياتنا الاجتماعية، نمر بمواقف ونشاهد أحداثا متجددة، نحاول أن نفهمها (نكون رؤية حولها)، مستعينين بما تعلمناه وما نعرفه وما جربناه مسبقا حولها (قد لا يدرك البعض أنه يستعين بذاكرته عند أي محاولة للفهم)، وذلك كي نتنبأ بما سيترتب عن تلك الأحداث من أمور إيجابية أو مأساوية، فنقرر على إثر ذلك مواقفنا حيالها.

جميعنا، سواء كنا علماء، طلاب علم، أو ضاربين في الأرض، نملك حصيلة معرفية وتجارب وطريقة تفكير خاصة بنا (أو بمعنى أشمل منظور، نرى من خلاله الأشياء). وسوف نؤمن بأي فكرة تفرزها مناظيرنا لأننا نثق فيها تماما ولأننا لا نحب أن نعيش حالة الإحساس بالضياع ولا للحظة.

ولو كنا نملك الجرأة للتخلي عن ذاكرتنا بعض الوقت، ونحاول فهم الأحداث كما لو كانت أمورا خارقة لم نر مثيلا لها من قبل، حتما سنخرج برؤية وفهم مختلفين تماما عنها.

أيضا، لو حاولنا استبدال مناظيرنا، لنرى الأحداث كما تراها أعين غيرنا، أيضا سنخرج برؤى مختلفة.

يمكن لأدمغتنا العمل بطرق متعددة، ورؤية الأحداث بمناظير مختلفة، يمكنها أن تصنع أفكارا أكثر إبداعا، وأن تصل إلى أسقف معرفية أكثر ارتفاعا. كل ذلك يعتمد على شجاعتنا في قبول الإحساس بالضياع للحظات، والاقتراب من الأحداث بذاكرة خالية، كالطفل في الثانية، يحاول لمسها وتذوقها وهي ليست صالحة للأكل (لأنه هكذا يفهمها). هكذا نتمكن من تجديد رؤيتنا وتكوين فهم

غير مكرر أو مألوف (إبداعي).

[email protected]