نمر السحيمي

التكتلات الفكرية في التحول الوطني نحو رؤية المملكة 2030

الاحد - 06 يونيو 2021

Sun - 06 Jun 2021

منذ بداية الخليقة وإلى أن يأذن الله بنهاية الحياة على الأرض تظل التكتلات الفكرية هي المحرك المشاغب المتسبب فـي التغيير والتحول في حياة الشعوب والأمم.. سواء إلى الأفضل أو إلى الأسوأ.

وإذا نظرنا بشكل عام لهذه التكتلات نجدها بدأت بتكتل الخير المواجه للشر، ثم تسلسلت المسميات في الدين الواحد أو الطريقة الواحدة؛ لتكون هذه التكتلات بين المحافظين على تعاليم الدين -أي دين- وبين المفرطين بهذه التعاليم أو المتهاونين بها..

ومن حين بزوغ فجر الإسلام ظهرت التكتلات الفكرية في المجتمعات الإسلامية بين الإفراط والتفريط أو الالتزام والتهاون..

وهنا يلاحظ أن كلا التكتلين أو التيارين -كما يحب البعض أن يسميها- ينتهجان الالتزام في الأخذ بتعاليم الدين أو التهاون في الأخذ بها؛ وكلاهما في الطريق الخطأ؛ لمخالفتهما (وسطية الإسلام) التي تجتمع عليها الأمة الإسلامية، وإن كان الصراع بينهما يعده بعض الباحثين نهجا طبيعيا في حياة أي مجتمع أو أمة ما لم يؤد صراعهما إلى التطرف والغلو من الجانبين.

وحين ننظر لـ(مجتمعنا السعودي) وهو أحد المجتمعات الإسلامية نجد الميدان الفكري المحلي يتصارع فيه التكتلان أو التياران المشار إليهما منذ تأسيس المملكة كامتداد طبيعي لمثل هذه الصراعات؛ شأننا شأن أي مجتمع في العالم ينتمي إلى دين أو طريقة يبني عليها منهج حياة أفراده.

وقد استمر صراع هذين التكتلين أو التيارين طيلة العقود السابقة التي كانت المملكة تخطو فيها نحو (التنمية والبناء) لتلحق بدول العالم المتقدمة؛ إلا أنه خلال الثلاثين سنة الماضية كان هذان التكتلان أو التياران بالمملكة قد تلبس بهما فكر أيديولوجي متطرف دخيل اتخذ من صراعهما جسرا للنفاذ إلى المجتمع، والوصول إلى أهداف ومكاسب دنيوية وسياسية؛ فتجده تارة مع هؤلاء وتارة مع أولئك، مختفيا بينهما حتى لا يكاد أحد يميز وجوده من غير المتخصصين.

وحين عمد الفكر المتطرف الدخيل إلى التحريض، ونحى بالصراع المجتمعي الطبيعي نحو الغلو والإرهاب، ومع الطرف الآخر أخذ يثير المجتمع بحملات الانحلال والتحرر؛ ليخلق صراعا أكثر حدة وأعمق بعدا وإثارة.. عند ذلك كانت المملكة قد وصلت إلى قناعة كاملة بأهمية القضاء على هذا الفكر المتطرف الدخيل نهائيا لـتتفرغ لرؤيتها 2030، وتلك نتيجة طبيعية؛ فقد تعارض الصراع الذي تلبس به الفكر المتطرف الدخيل مع مشاريع وبرامج رؤية المملكة 2030، حيث كان يسعى هذا الفكر لتحقيق أهدافه الإيديولوجية الخبيثة التي أشغلت وستشغل أفراد المجتمع عن بناء أنفسهم والمشاركة في بناء وطنهم.

وقد تنبهت المملكة لهذا الفكر المتطرف الدخيل الذي صرف الكثير من أبناء الوطن عن المشاركة في برامج ومشاريع تنمية بلادهم وأدخل بعضهم في ميدان همجي مغلق حول نفسه لا يؤدي إلى نتيجة مثمرة لا للإنسان ولا للوطن ولا للأمة.

من أجل ذلك أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عزم المملكة القضاء على هذا الفكر المتطرف الدخيل بقوله «المملكة لم تكن كذلك قبل عام (1979م) فالسعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع الصحوة بعد عام (79م) لأسباب كثيرة، ليس المجال اليوم لذكرها، فنحن لم نكن كذلك، نحن فقط سنعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم، وعلى جميع الأديان، وعلى جميع التقاليد والشعوب، وبكل صراحة.. لن نضيع (30) سنة أخرى من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم وفورا، نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونسهم في تنمية وطننا والعالم، فهذا أمر أعتقد أنه قد اتخذت له خطوات واضحة في الفترة الماضية، وأعتقد أننا سوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل».

وبناء على هذا التوجه الجاد من المملكة في تنفيذ برامج ومشاريع رؤيتها بسواعد أبناء شعبها بعيدا عن مكائد الأعداء خطت المملكة خطوات جادة في القضاء على التطرف من جذوره حتى (أخمدت) بفضل الله ثم بفطنة وحكمة ولي العهد مهندس الرؤية المباركة (جذوة) الصراع المضلل الذي أشغل مجتمعنا الآمن سنوات طويلة لما يملكه التيار المتطرف الدخيل من إمكانيات استطاع من خلالها بخيله ورجله تجهيل الكثير من الشباب والزج بهم في مستنقعات التطرف والإرهاب.

وتستمر المملكة تخطو بثقة نحو رؤيتها 2030، كما ويستمر الصراع الطبيعي بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين الإفراط والتفريط وبين الالتزام والتهاون إلى آخره من الصراعات؛ إذا كانت هذه الصراعات بشكلها الطبيعي المؤكد لحياة الإنسان وتفاعله على الأرض؛ (لكن) لن تسمح المملكة بعد الآن لأي تيار خبيث مؤدلج ليركب موجة هذه الصراعات الطبيعية؛ فمجهر الشفافية والوضوح هو ما بنيت عليه خطط رؤية المملكة 2030؛ وهو المجهر الذي لن يترك مجالا للمجاملة أو السماح لأي أحد كائن من كان من المساس ببلادنا وقيادتنا وشعبنا.

alsuhaimi_ksa@