حسن علي العمري

الكود الحاضر الغائب

الأربعاء - 02 يونيو 2021

Wed - 02 Jun 2021

629 هذا الرقم الشهير الذي أثار ضجة كبيرة في أوساط المجتمعات الخليجية وتناقلته وسائل الإعلام والتواصل قبل حوالي العامين، وكان الحديث الصاخب الذي واكب ظهوره يتمحور حول المنتجات الاستهلاكية التي يحملها الكود الذي يبدأ بذلك الرقم وينتج من جبل علي، ولا سيما المنتجات الغذائية التي يستهلكها الناس وتمس صحتهم وحياتهم بشكل مباشر وما تواردته التأكيدات على الغش الثابت في تركيب تلك البضائع فضلا عن السموم عالية الضرر، وكان الغالبية يتأملون في تدخلات سريعة حينها وبمواقف يفرضها واقع الحال سواء من الجهات الرسمية المعنية في كل دولة بسلامة الغذاء الوارد لدولهم من تلك الجهة أو من الجهة موطن خطوط الإنتاج والمصدرة لهذه المصنعات التي تعنيها تلك المعلومات لنفي الأمر أو تأكيده من أي من المصدرين، إلا أن الصمت كان قد تصدر المشهد حينها في ظل تأكيد جازم بأن دولة المقر تمنع منعا مشددا دخول تلك المنتجات وتسويقها داخل أسواقها وعلى مواطنيها.

مرت الأيام واستمرت هذه المنتجات في تدفقها للأسواق المحلية والمجاورة ونسي الناس كالمعتاد أمر هذه المنتجات وكأنهم قد اعتادوا استهلاكها دون بعد نظر لتأثيراتها الصحية على المدى القريب والبعيد، وبرغم ارتفاع درجة الوعي بشكل معقول وتوفر المعلومة وسهولة الحصول عليها فقد دلف هذا الأمر سريعا إلى دهاليز النسيان في إضبارة محكمة الإغلاق.

ومع استمرار هذه التسييلات الإغراقية للسوق كدليل على كمية الاستهلال غير المنضبط لها والطلب المتعالي عليها لم نجد في المقابل تحركات بشكل كاف من جهات الاختصاص في الدول المستوردة لها سوى خطوات قليلة من الهيئة العامة للغذاء والدواء بالمملكة العربية السعودية والهيئة العامة لحماية المستهلك بدولة عمان إلا أنها في واقع الحال لا توازي حجم الأضرار المتوقعة منها أو المهام الوظيفية المنوطة بهذه الجهات.

يتساءل الكثير عن وجود فحص عيني ومخبري لمثل هذه المنتجات بدرجة كافية في المنافذ أو المخازن الكبرى قبل فسحها ووصولها لمنافذ البيع والتوزيع النهائية، ولماذا لا توقف مثل هذه المستوردات – عند وجود شك فيها – حتى يتم التحقق من صحة هذه الشكوك أو نفيها؟ ولماذا لا يتم وضع الآلية المناسبة التي تلزم بها الجهات أو الكيانات المصنعة أو المنتجة من إثبات خلاف ذلك أو تصحيح وضعها بشكل قطعي مع الالتزام بتلافي ذلك مستقبلا؟ كما حدث في الموقف الإيجابي من قضية الرمان الشهيرة التي لم يجف نداها بعد، لأن أمن الوطن وصحة مواطنيه خطوط عالية الحساسية ولا يمكن القبول بالمساس بها أو العبث بها.

ما لفت انتباهي خلال الأيام الفارطة أن هذه المنتجات ما زالت منتشرة في منافذ بيع التجزئة أطراف المدن وعلى الطرق الرابطة بين مناطق المملكة، كمؤشر على ضعف الرقابة أو عدم تواجدها من جهات الاختصاص.

ولكون الصحة العامة أحد أركان النظام العام للدولة المدنية الحديثة، فإن الجهات والوزارات المعنية بهذا الركن عليها واجب القيام بمقتضياته بالعمل الجاد للمحافظة عليه وعدم القبول بالمساس به، فذلك مساس بالنظام العام للدولة برمته وهذا لا يتم إلا بتفعيل نصوص القانون من خلال الإجراءات الوقائية بالرقابة والمتابعة وإجراءات الضبط والمحاسبة والمعاقبة للساعين لبناء مجد شخصي أو للحصول على مصلحة شخصية ضيقة يستميت في الحصول عليها على حساب سلامة وصحة وحياة الناس وما تقتضيه المصلحة العامة العليا للوطن، مع ما قد يصاحب ذلك من نشوء صور مختلفة من صور الفساد الإداري أو المالي، ولكون الجهات المعنية بهذا الركن هي وزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان وهيئة الغذاء والدواء والهيئة العامة للجمارك، فإنها مطالبة جميعا ومنفردة بالتصدي لمثل هذه المؤثرات من خلال تنفيذ الواجبات الوظيفية المنوطة بها، كل في حدود اختصاصه ومسؤولياته بكل تجرد وموضوعية دونما تدافع للمسؤوليات أو تلكؤ في تطبيق القانون، فماذا هم فاعلون؟

@hass_qr