علي المطوع

الإصدار المنتظر للتكامل الخليجي

الاحد - 30 مايو 2021

Sun - 30 May 2021

في الأيام الماضية، مرت بهدوء الذكرى الأربعون لتأسيس مجلس التعاون الخليجي، هدوء ما كان معتادا عند استذكار هذه المناسبة على الأقل رسميا داخل دول المجلس، هذه الذكرى لم تعد تهم الكثيرين وما عادت تشكل في وجدان المواطن الخليجي ذلك الشعور الذي كان ولا ذلك التأثير الذي اندثر.

الكثيرون يعلمون ظروف نشأة هذا المجلس وطبيعة المنطقة في تلك الفترة، فالحرب العراقية الإيرانية كانت على أشدها، والغزو السوفيتي لأفغانستان كان في بداياته، وكامب ديفيد المعاهدة المصرية الإسرائيلية كانت جديدة على الشعوب العربية وحكوماتها، أي أن تكوين المجلس وانطلاقته كانت لظروف ومتغيرات حتمت على الزعماء آنذاك التعاطي مع الأوضاع والمتغيرات وفق سياسة محددة وموحدة تربأ بالخليج وشعوبه الدخول في أي معادلات سياسية أو حسابات إجرائية خاطئة تؤثر على هذه المنطقة وأمنها واستقرارها.

كانت أمريكا كقوة عالمية تمثل غطاء سياسيا وأمنيا لكل الكيانات التي تدور في فلكها ووفق مصالحها ومناطق نفوذها، فمصالحها الاستراتيجية اقتضت قبل قيام هذا التجمع بعامين تشكيل ما يعرف بقوة الانتشار السريع التي صادق عليها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر عام 1979، وهذا ما جعل أمريكا في ذلك الوقت ترى في الخليج وأمنه خطا لا ينبغي الاقتراب منه فضلا عن ملامسته أو تجاوزه، وهذا ما جعل دول المجلس في تلك الحقبة تتعاطى السياسة وفق مواقف سياسية مشتركة ومواقف محددة لا يحيد عضو عنها، وكلها في المجمل تخدم دول المجلس وشعوبه.

تجلت فاعلية هذا المجلس في حرب تحرير الكويت فلقد انصهر الجميع في بوتقة عمل واحدة وأطر محددة كان نتاجها ذلك القرار الذي صدر من الدوحة بضرورة تحرير الكويت وإعادته إلى وضعه الطبيعي الذي كان وما زال.

منتصف التسعينات من القرن الماضي كان نقطة تحول في تاريخ المجلس وأساليب عمله، فالسياسات المختلفة بدأت تظهر على السطح والسياسيات المخالفة كانت نتاجا منطقيا ومنتظرا لكل التباينات التي ظهرت فجأة في تلك الحقبة ولعل من صورها تطبيع علاقات دبلوماسية مع كيانات مختلف عليها في ذلك الوقت دون العودة للمجلس وإجماع أعضائه، وكان ذلك أول خروج عن المجلس وعلى سياساته التكاملية داخل المنطقة وخارجها، صاحب ذلك خطاب إعلامي لقنوات جديدة نسفت كثيرا من سياسات التوافق التي كانت أصيلة ومؤصلة بين دول المجلس، هذا الخطاب وفي ذروة حضوره تجاوز كل الأعراف الاجتماعية بين أهل الخليج وسبب أزمات عديدة كانت توابعها حالات من القطيعة والتوتر بين بعض دول المجلس في فترات سابقة وربما قادمة.

مآلات الأحداث تثبت أن هذا التجمع على الأقل في صيغته الحالية لا يضمن توافقا بين دول المجلس كما تقتضيه مصالح الخليج العليا، وأن المملكة العربية السعودية لا يراد لها أن تكون الدولة المركزية في هذا التجمع والشواهد التاريخية كثيرة، وبالتالي فإن الظرف السياسي يحتم تفعيل العلاقات البينية بين دول المجلس وضبطها وفق مصالح مشتركة واضحة وصريحة بعيدة عن الشعارات الإنشائية السابقة والتي لم تحم هذا الكيان من الخلافات والتوترات التي طغت على السطح في الفترات السابقة، وأن المملكة العربية السعودية بموقعها الاستراتيجي وإطلالتها المنفرجة على الجميع يجعلها الدولة الأكثر قدرة على ضبط إيقاع هذه العلاقات ودوزنتها بما يخدم الخليج وأمنه وآماله.

إن مصطلح الشقيقة الكبرى الذي يردده البعض عند الأزمات وينسى في الأوضاع الطبيعية، ما عاد يناسب المرحلة التي نعيشها والتحديات التي تعيشها المنطقة، ومع تزايد الأصوات النخبوية الخليجية التي تطالب بتغيير وتفعيل بعض مواد المجلس ولوائحه التنظيمية؛ لأنها ما عادت تناسب المرحلة ومتغيراتها وتجاربها القريبة، ولأن النتائج الحالية التي تعيشها المنطقة هو نتاج بعض السياسات المتباينة التي ترى بعض دول الخليج أن سيادتها لا تكتمل إلا بها، فإن كل ما سبق يقتضي ويستوجب أن تكون هناك اتفاقات ثنائية بعيدة عن نظام المجلس وشكلياته الحالية، هذه التفاهمات ستحكم الدول الخليجية وفق نقاط محددة ومحكمة وتخدم مصالحها وتحفظ حقوقها وفق وزنها الاستراتيجي وعمقها التاريخي وتأثيرها الجغرافي، بعيدا عن الشعارات الكلامية المستهلكة التي تحضر عند جبر الخواطر وتغيب مع أول بارقة خلاف تطفو على سطح مياه الخليج العربي.

alaseery2@