محمد الأحمدي

عيد علي بعينك، إن امتنعت يدينك

الثلاثاء - 18 مايو 2021

Tue - 18 May 2021

ظهر قانون مسطرة الإنقاذ في القانون الفرنسي من أجل الحد من التعثر الاقتصادي، ومعالجة الصعوبات والتحديات التي تواجه قطاع الأعمال في مرحلة مبكرة لتحقيق استمراريتها، ودفعها لعجلة التنمية الاقتصادية بدلا من اتخاذ إجراءات إيقافها، أو تعثرها الكامل. الجيد في هذا القانون هو طريقة المعالجة التصالحية، والتفاوض من أجل إعادة تنظيم العمل، وإنقاذ المقاولات والشركات من الانهيار، وإضفاء روح التعاون بين الدائن والمدين لتحقيق استمرارية النشاط، والوصول إلى الهدف المنشود.

أعادت هذه المعالجة التفكير في تشخيص المشكلات المالية في النظام الاقتصادي القائم على التمويل والإقراض محاولة أن يحقق الاستمرارية بأقل الخسائر على الأقل. على العموم لست بصدد الحديث عن مسطرة الإنقاذ المالية في سياقها الاقتصادي بقدر توظيفها في السياق الاجتماعي، واستثمار مبادئها في الحياة الاجتماعية مع ختام شهر رمضان وحلول عيد الفطر التي دعتني لأستحضر هذه الفكرة الاقتصادية في الجانب الاجتماعي.

أتت صلاة عيد الفطر لهذا العام بعد انقطاع عن صلاة العيد لعيدي الفطر والأضحى الماضيين في بريطانيا بسبب الجائحة. لذلك فإني رأيت مبادئ مسطرة الإنقاذ واضحة في هذا العيد لدى الكثير من المسلمين من أجل إنقاذ المجتمع من انتشار الفيروس، ولعلها تحاول أن تنقذهم من وطأة الداء كما تحاول الفكرة إنقاذ الاقتصاد من الانهيار.

من الواضح أن المجتمع فهم طبيعة المشكلة وأدرك التحدي الذي يواجهه، ورأى النتيجة ولا يرغب في تكرار حدوثها. وبدأ ذلك المجتمع يتعامل مع الخطة الوقائية الاستباقية فامتنعوا عن المصافحة، واكتفوا بلغة الجسد التي يعتقد بأنها لا تكذب في كثير من الأحيان؛ وهنا تحدثت المشاعر عن مكنون الفرحة، وعيدت العيون حينما بخلت الأيادي بالمصافحة حفاظا على سلامة المجتمع.

وفي المقابل فإن في كل زمان، ولكل قرار من يظهر بمظهر المتحدي، وأنه قادر على التحايل على الأنظمة، ولكن يختلف الحال عندما يتعلق الأمر بالصحة، وسلامة المجتمع فتصبح السلطة المجتمعية ذاتها رادعا لمنتهك تلك القواعد العامة، حيث إنه في هذه الحالة تكون مقولة «الشر يعم» صحيحة. فمن يحاول أن يظهر بمظهر التحدي للجائحة، أو تجاوز التعليمات العامة التي تحقق مصلحة المجتمع يثبت بأنه فرد غير قادر على اتباع القواعد التنظيمية والتحكم في النفس وتطويعها في ظل الظرف الحالي، وبهذا يعرض ذاته للعقوبة النظامية وقبلها العقوبة المرضية التي قد تؤدي به أو بغيره إلى التهلكة. وتبرز سلطة المجتمع التي توقف المستهتر بالمنظومة القيمية العامة، ومنها منظومة الإجراءات الصحية.

ومن جانب آخر لا يقل أهمية عن الحفاظ على صحة المجتمع في ظل هذه الجائحة الزائلة فإن مسطرة الإنقاذ نافذة مضيئة لتغيير الممارسات بعد رحلة صيام ثلاثين يوما، حيث يسهل تغييرها لمن أثرت فيه تلك الثلاثون، وقبل التعثر في سداد الديون الصحية المتراكمة على وجه الخصوص التي يصعب حلها حينما تتفاقم المشكلات الصحية بسبب ضعف الالتزام بنصائح الأنظمة الصحية في الجائحة أو الصحة العامة.

وبالعودة إلى مبدأي قانون مسطرة الإنقاذ الاقتصادية: التشخيص المبكر قبل التعثر التام، ووضع خطة علاجية ومتابعتها من أجل الاستمرار في التطور والتحسين تكون قابلة للإسقاط على الكثير من الممارسات الحياتية التي في نهاية المطاف تحقق الصحة النفسية والجسدية للفرد.

وبهذه المناسبة فإن سلم التغيير الحياتي للممارسات يبدأ بعملية التشخيص سواء المبكر أو المتأخر، ومراجعة الواقع الحالي، والتأمل فيه، ومحاولة مراجعة الأسباب المؤدية إليه، ومعالجتها بناء على نصائح الخبراء التي تتشكل في خطة إجرائية، وتعزيز المهارات والمتطلبات التي تدعم الاستمرار في التنفيذ، ومن ثم يأتي دور اتخاذ قرار التغيير أو التعايش مع تلك الممارسات. وكل هذا يتطلب عزمية الفرد، ووضوحه، والإفصاح للمحيطين به عنه حتى يستطيع إقناع نفسه والآخرين بمشروع التغيير الذاتي الذي يتبناه لحياته المستقبلية. عندئذ تأتي الخطوة الأخيرة في التقييم والمراجعة لما اتخذ من تغيير ومدى مساهمته في تحسين الحياة من عدمه.

وبهذا فإن تعلم الفرد لمخطط مسطرة الإنقاذ الاجتماعية ينعكس على فعاليته في التعامل مع المشكلات العملية اليومية التي تعترض طريق تحقيقه للنجاح في مهمة التغيير التي مثلت لها بالتغيير الغذائي، واتباع الاحتياطات الوقائية من الجائحة لها كمثال توضيحي، وإلا فإنها صالحة لأي طريقة للتغيير في الحياة.

alahmadim2010@