محمد الأحمدي

طلع البنزين فوق الفضاء

الثلاثاء - 11 مايو 2021

Tue - 11 May 2021

مؤخرا.. شهدت الإصلاحات الحكومية في المملكة ربط أسعار الوقود بأسعار النفط العالمية. وصاحب هذا الربط قرار توجيه الدعم لمستحقيه عبر برنامج حساب المواطن لتخفيف عبء الزيادة في تكلفة أسعار الوقود والكهرباء وضريبة القيمة المضافة على المواطنين متوسطي ومنخفضي الدخل.

وحتى تكون المملكة عادلة مع المواطن في أسعار الطاقة قامت بتوجيه شركة أرامكو السعودية لمراجعة الأسعار بشكل شهري بدلا من ربع سنوي.

ويتزامن مع هذه المراجعة الشهرية لأسعار الوقود تداول قصيدة من الموروث الشعبي لمنطقة الباحة للشاعر محمد بن مصلح الزهراني -رحمه الله- علما أن القصيدة لا علاقة لها بأسعار البنزين وإنما تحاكي تحديا شعريا عالج قضية في حينها. أحاول في هذا المقال كشف غموض معانيها لمن يتداولها.

في البداية تجدر الإشارة إلى أن استكشاف معاني قصيدة العرضة التي تلقى ارتجاليا، وتؤثر اللحظة الذاتية في صناعتها، ويلعب المشهد البصري دورا في بنائها، وتتأثر بالموقف الذي يدفع الشاعر لصناعة الرمز والمعنى، فإن اكتشاف معانيها ينبغي أن يؤخذ في ضوء هذه العوامل بالإضافة إلى عوامل البناء الشعري المكون من المفردة، ووحدة البيت الشعري، والرموز، وتوظيف هذه الرموز في القصيدة، وبمجمل هذه العوامل يتشكل المعنى كصورة ذهنية.

بادر الشاعر بالتفاعل مع القضية بمباشرة الترميز للمعنى من البيت الأول، وهذه قوة شاعرية في شعر العرضة، مستخدما مفردات رمزية كالبنزين، والقاز، والذهب، واللؤلؤ للإشارة للمعنى في قوله: «طلع البنزين فوق الفضاء، والقاز حام»، ثم أردف في البيت الثاني بقوله: «اثار البنزين يصرف ذهب، والقاز لول» لؤلؤ».

وعند تأمل هذه المفردات يتجلى التضخيم في مفردة البنزين وتظهر القوة التي أدت به إلى الصعود على قمة الفضاء.

بينما تأتي مفردة القاز لتشعر السامع بأنها أقل مستوى من البنزين؛ لأنها لم تستطع بلوغ القمة، بل قاربت منها بالاستدارة والطواف، الواضح في كلمة «حام» في الفضاء لا فوقه لعدم قدرتها على مجاراة البنزين.

ويأتي تقديمه للذهب لشهرته بالرغم أن قيمته المالية أقل من اللؤلؤ، ولندرة الثاني في بيئة الشاعر الجبلية التي تشتهر بالذهب والفضة، أو لتداولية الذهب.

ويبقى على أية حال أن الذهب أفضل من اللؤلؤ قدرا في عرف السياق الثقافي الذي ينتمي له الشاعر.

وفي ضوء هذا فإن الشاعر ربما يرمي إلى موهبة تتفوق عن غيرها من المواهب الموجودة معه آنذاك، ووجود موهبة أخرى تتقارب معها، ولكنها تبقى أدنى منها في المستوى.

وقد تكون تلك الشخصية الرمزية تشير لذات الشاعر كما هو متعارف عليه في هذا الموروث الذي يتسم بتضخيم الذات، والاعتزاز بالهوية الشخصية التي تمثل الشاعر ومنظومته القيمية.

وأن هذه الشخصية لديها خزينة شعرية متدفقة في الشعر كتدفق المصافي الذي لا ينضب الزيت منها إشارة إلى ريادة المملكة في السيطرة على سوق النفط العالمي.

وبمعنى آخر فإن مفردة المصافي في قوله: «والمصافي تشتغل ماعد أنهى الزيت منها»؛ قد تشير إلى العقول. وهي مناسبة لذلك المعنى حيث يتم في العقل برمجة كل شيء، وأن كلمة «تشتغل» أي تُفكر، في استخلاص فكرة القصيدة.

وأن تلك الشخصية على الرغم من تقدم العمر بها إلا أنها لم تقل حصيلتها الشعرية. وهذا ورد تصريحاً في لقاء تلفزيوني للشاعر في آخر أيام حياته.

وهذه شجاعة تعبيرية تتفق مع شخصية الشاعر الذي يظهر فيها الصراحة والوضوح والمباشرة في توجيه المعنى دون وضع عوائق في البيت الشعري تحرف المقصود عن مبتغاه.

ويظهر وجه آخر للدلالة، حيث يعتقد بأن الشاعر حاول أن ينتقد ظاهرة من الظواهر، وأعتقد بأنها بيع الشعر حيث أشار بعد إضافة الرموز إلى الطلب الذي رفع السعر رغم الاختلاف الشعري، وأن المواهب الشعرية باتت تقدر بالأموال مستخدما الذهب واللؤلؤ كرموز العملات وقيمتهما الثمينة.

وفي نهاية المطاف أبدى رأيه في العزوف عن هذه الفكرة التي رمز لها بعاصمة اليمن للكناية عن وادي عبقر المعتقد بأنه منبع الشعر في قوله: «ماعد أبغى دور صنعاء ولا بترولها» أي لا أريد الشعر أو الملعبة ولا ما تجنيه من ثروة ما دام أن المواهب الشعرية ليست بكفاءة توازي موهبتي الشعرية.

alahmadim2010@