زيد الفضيل

من الطفيلية السياسية إلى الدينية ويا رب لطفك

السبت - 03 أبريل 2021

Sat - 03 Apr 2021

في مقالي السابق أشرت بوضوح إلى خطورة الطفيليين في حياتنا، وأوضحت أنهم أولئك المتطفلون بروح شيطانية لإثارة كل خلاف، والتشكيك في كل أمر، وحين أقول بروح شيطانية لا أقصد أنهم متنمرون في حديثهم وفعلهم، بل على العكس تماما، تجدهم حريصين على حسن القول، ولكن بتكتيك إظهار نصف الصورة التي تخدم توجههم وإخفاء ما يريدون إخفاءه، مع الإشارة إلى أنهم لا ينشطون سوى وقت الفوضى والمحن والأزمات، فتراهم جادين في تصعيد كل خلاف، باذلين جهدهم لتشويه صورة من يخالفهم ويرونه خطرا على مشروعهم، حتى إذا تمكنوا نفثوا سمومهم دون رقيب أو حسيب، ومن ذا يحاسب من أظهر نفسه بمظهر الغيور المدافع عن أمن وسلامة وكرامة وميثاقية الجهة التي ينتمي إليها، لكنهم في النائبات قليل، ولذلك تراهم حال الحرب أول المسعرين جعجعة بأصواتهم، وآخر المبادرين بأنفسهم وذواتهم، فإن انتصر من هم في جهته، وحل الاحتفال بالمكاسب، بادروا إلى إبراز شخوصهم وكأنهم هم من قادوا القتال، وإن جاءت النتيجة بعكس ما أحبوا، سارعوا إلى الغنيمة بأرواحهم، ليبدؤوا البحث عن موقع آخر يتسلقون من ورائه.

فمثلا على الصعيد السياسي تجد أحدهم وقد قدم نفسه كمعلق سياسي وخبير لا يشق له غبار، ثم تراه ينفخ في بوق التفرقة السياسية وتكريس ظاهرة الانفصال في الساحة العربية، بحجة أنه يدافع عن حق قومي وإنساني، وهو بالأساس لا ينتمي إلى المحيط الذي يؤججه لا قبليا ولا جغرافيا، بل وحين التحقق في هويته تكتشف أنه من أرض في بلاد العجم حاليا ومتجنس بجنسية خليجية.

كان ذلك ما سمعته مؤخرا من أحدهم وهو يناضل لانفصال المحافظات اليمنية الجنوبية عن حكومة الوحدة المعترف بشرعيتها دوليا، واصفا ذلك باستعادة الجنوب لدولته ومانعا استخدام كلمة انفصال، وكأن الكلمة قانونيا جريمة يجب ألا يستخدمها اليمنيون الجنوبيون، في حين لو تأمل لغويا وحتى قانونيا لوجدها كلمة مجردة تعني الرجوع عن شيء تم الاتفاق عليه، وهو ما يستخدم اليوم مع الحكومة البريطانية التي قررت الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وفي كل فليست الكلمة هي محط اهتمامي، وإنما النغمة الطفيلية التي يقودها وهو من خارج المنظومة الجغرافية والقومية الإقليمية أيضا، علما بأن في ذلك إيلاما وطعنا لحكومة الوحدة اليمنية الممثلة للشرعية المعترف بها دوليا والمؤيدة من قبل التحالف العربي.

على الصعيد الحياتي فقد تمظهر لدينا التطفل بأشكال وصور متنوعة لعل أبرزها ما ظهر باسم (اللايف كوتشينج)، التي تتمحور في تلك العلاقة القوية بين الشخص ومدربه في الحياة، القادر على أن يأخذ بيده إلى بر الأمان كما يقال، ولست في واقع الحال ممانعا لوجود أولئك، لكن كثرتهم الكاثرة هي ما يؤرقني، حتى باتت مهنة يتطفل من ورائها كل من هب ودب، بل وصار الأمر ملتبسا بين دور اللايف كوتشينج والمستشار الأمين، ودوره ودور المعالج النفسي كذلك، وهو ما يجعل الأمر مشوبا بالحذر، ويجعلنا نستعيد التفكير في خريطة التعامل مع ذاتنا في ظل هويتنا المسلمة من جانب، وثقافتنا الاجتماعية من جانب آخر.

وأخيرا أشير إلى أخطر أشكال التطفل من وجهة نظري، وهو التطفل المتعلق بالشق المعرفي في عمومه، وأجل المعرفة ما كان متعلقا بالدين وتعاليمه، وصدق رسول الله القائل: (إن هذا الدين مَتِينٌ فأوغلوا فيه برفق). ذلك أن الساحة في العقود السالفة قد أفرزت لنا العديد من الباحثين غير المتخصصين في علوم اللغة والشريعة، ليتداولوا بالنقاش موضوعات متنوعة في شؤون ديننا الحنيف سواء على صعيد تحليل الخطاب القرآني أو مناقشة منظومة الحديث النبوي، والغريب أن جلهم ينتمون إلى حقل الهندسة علميا، ومع قبولي ببعض ما قالوه وتحفظي على غيره، إلا أن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني هو: لماذا سطع هؤلاء جميعا الآن وفي فترة متقاربة؟ وهل ما طرحوه من رؤى صادمة في بعض الأحيان لم يكن أحد قد تنبه لها من قبل، وليس لها تفسير أيضا عند العلماء المتخصصين؟

واقع الحال فاستنطاق الأسئلة لن يتوقف، لكن قناعتي أن وجودهم كان بسبب إغفالنا كمجتمع عن الاهتمام بمتابعة العلماء الفقهاء التنويريين، ناهيك عن سيطرة ظاهرة الدعاة الجدد على سمتنا المعرفي، والأخطر حين تضخمت شخوص أولئك الدعاة جراء ما عاشوه من زخم جماهيري، ثم إذا جد الجد، وتكالب الطفيليون على سمتنا المعرفي، نراهم فارغين من كل حجة ومنطق، ساقطين في وحل جهلهم، والنتيجة ما نعيشه من فوضى معرفية في أصول ديننا، وليس لها من كاشف سوى أن نقدم كأفراد ومجتمع العالم الفقيه التنويري مجددا، فهل إلى ذلك سبيل؟

zash113@