محمد النفاعي

أكسجين التحول الرقمي

الأربعاء - 31 مارس 2021

Wed - 31 Mar 2021

‏من أشهر مقولات الراحل غازي القصيبي «محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكارا قديمة هو مضيعة للجهد والوقت». وكأنه رحمه الله يوجهنا لأهم قاعدة لأي محاولة تحول مؤسسية أو شخصية مهما كان هدفها ونوعها وحجمها. الآن كما يعلم الجميع نعيش الثورة الصناعية الرابعة والتي من أهم أسسها وركائزها هو التحول الرقمي.

الأمر المفروغ منه أن العقل البشري هو من أسس وقنن مفاهيم التحول الرقمي وهو من يستطيع أن يروضها ويوجهها للطريق الصحيح. جميع مرتكزات التحول الرقمي أشبعت تنظيرا وتوثيقا، ما تحتاجه هو الأكسجين لبث الحياة فيها. أرى أن الأكسجين ليس إلا تحولا آخر أسميه mind transformation أي التحول العقلي، إن صحت الترجمة.

العقل كما جاء تعريفه هو «مجموعة من القوى الإدراكية التي تتضمن الوعي، المعرفة، التفكير، الحكم، اللغة والذاكرة. ويملك العقل القدرة على التخيل، التمييز، والتقدير، وهو مسؤول عن معالجة المشاعر والانفعالات، مؤديا إلى مواقف وأفعال».

فإذا كان العقل لا يتجانس مع المتغيرات التي من حوله فلن يستطع أن يستفيد من التحولات ومنها التحول الرقمي لأنها جديدة عليه. لذلك عليه أن يتحول هو أيضا لتحقيق النجاح المأمول بأقل جهد وأقصر وقت ممكن وإلا أصبحنا ممن ذكرهم غازي القصيبي في مقولته الآنفة الذكر!

أتذكر جيدا ما حدث عندما أسندت إليّ إدارة مشروع ضمن مكونات التحول الرقمي قبل عدة سنوات. بدأت بوضع الاستراتيجية والأهداف مع فريق العمل الذي كان يتضمن أفضل الكفاءات في هذا المجال. مع مرور الوقت واجهتنا عقبة لم نعمل لها حسابا وكانت من الشخص المسؤول الذي أوكل إلينا المهمة!

كان يعتنق فكرا قديما لا ينسجم مع ما تحمله المهمة من تطبيق أفكار جديدة. لم نجد السند بل وجدنا أنفسنا في شبه صدام مع هذا المسؤول المباشر الذي بدلا من أن يكون لنا عونا صار لنا فرعونا كما قيل في الأمثال. المشكلة كانت واضحة لدى أفراد الفريق وهي القصور في التحول العقلي mind transformation والذي لم يتجانس مع التحول الرقمي. عندما يقف العقل عند نقطة ثابتة، يصبح ساكنا كالجماد الذي لا يستطع أن يقاوم العوامل الخارجية فيفنى مع الوقت.

لذلك بشكل عام، من المهم العناية بالتحول العقلي إن كنت أحد الأشخاص المكلفين بمهمة جديدة لها علاقة بالتحول الرقمي مهما كان نوعها.

ولكن كيف يتم التحول العقلي؟ الأمر لا يتم بسهولة، حيث يتطلب جهدا كبيرا مدعوما بالاستعداد النفسي والشغف المعرفي والذكاء العاطفي، وإلا فإنك لن تتحرك قيد أنملة. ‏

سأسرد بشكل مختصر ما قمت به شخصيا في هذا المجال لعل الاستفادة تكون للآخرين من ما مررت به من تجربة:

أولا: التعلم من جديد وذلك بالقراءة وحضور الدورات والتعلم الافتراضي والمشاركة في الندوات والنقاشات. استفد من أفراد الفريق المتمكنين حتى تصل إلى مرحلة معقولة من المعرفة التي تمكنك من قيادة الدفة وتوجيهها للمسار الصحيح. كن ملما بآخر التطورات التقنية اللازمة لتحقيق التحول الرقمي عن طريق تحسين كفاءتك الاحترافية. قال تعالى: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا).

ثانيا: الانفتاح إلى الآخر وتقبل مختلف الآراء والمتطلبات لهذا التحول الرقمي. هنا يجب أن تثق بالآخرين ولكن مع وجود المحاسبة والمتابعة من وقت لآخر وتذكر أن الثقة العمياء قد تلغي دورك كقائد لهذا التحول. كذلك تقبل المخاطرة ونتائجها في إحداث التحول الرقمي المطلوب وتحمل المسؤولية المهنية بذلك.

وكما قال أبوالطيب المتنبي: إذا اعتاد الفتى خوض المنايا .. فأهون ما يمر به الوحول

ثالثا: تنظيميا التوجه إلى التغيير في الهيكل المؤسسي مثل اللامركزية أو disruptive ، أما في طريقة إدارة المشاريع من الممكن تبني الرشاقة Agility للتحول الرقمي. أما كقائد كن واعيا ومتقبلا التحول الإدراكي أو النمطي shift paradigm الذي سيطرأ على ما حولك والعمل حثيثا على نشر الوعي بهذا التحول مع رؤسائك ومرؤوسيك على حد سواء. أبسط مثال على ذلك، نشر الوعي بأن تطوير الخوارزميات مثلا مرتبط بشكل تام مع البيانات ودقتها وهي خطوة متكررة recursive وهذا يحتاج إلى وقت للتطوير للوصول إلى نتائج مرجوة.

ختاما، لنا عبرة في قوله تبارك وتعـالى في سـورة الرعـد: (إن اللَّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

msnabq@