سارا الضراب

الفلسفة الاقتصادية ودورها في تقدم الأمم

الاثنين - 29 مارس 2021

Mon - 29 Mar 2021

يعرف آدم سميث الاقتصاد بأنه العلم الذي يهتم بدراسة الوسائل التي يمكن أن تزيد من ثروة الأمة.. وهنا قد يتساءل البعض من يكون آدم سميث؟

إنه أبو الاقتصاد الحديث العالم آدم سميث الذي أسس النظريات الاقتصادية التي بني عليها علم الاقتصاد الحديث، آدم سميث (1790-1723) كان فيلسوفا اجتماعيا أخلاقيا من عصر التنوير وجاء بعده عدد من الاقتصاديين الذين قاموا بتطوير نظرياته الاقتصادية المعروفة.

هذا وقد ولد آدم سميث في الخامس من يونيو عام 1723 من أسرة أسكتلندية، درس بمدرسة بيرغ في مسقط رأسه مدينة «كيركالدي» الأسكتلندية، والتي كانت تعد من أفضل المدارس الثانوية على مستوى أسكتلندا قاطبة. في سن الرابعة عشرة من عمره التحق سميث بجامعة «غلاسكو»، وهناك تعلم ودرس الفلسفة الاجتماعية والأخلاقية على يد «فرانسيس هاتشيسون» وهو من نمى لديه الشغف بالحرية والعقل، كما أنه يعد أول من كتب في النظرية الاقتصادية بصفة أكاديمية؛ مما انعكس على عرضه الأفكار بطريقة منظمة، ويعتبر «سميث» الأب الروحي للاقتصاد الحديث والسياسي منه خاصة، حيث يعتبر من أهم علماء الاقتصاد في التاريخ البشري.

وتعد فكرة نظرية آدم سميث «الممارسة الحرة للمصالح الفردية» تعود بالمنافع على المجتمع بصفة عامة، فهي تساهم في حل المشكلات وإشباع حاجات المجتمع وبالتالي تحقق التوافق والانسجام بين المصالح الخاصة والعامة بمعنى العائد العام للمجتمع هو مجموع عوائد الأفراد. كما أن الدافع الشخصي هو أكبر ضمان للصالح العام، وبالتالي الممارسة الحرة للمصالح الفردية تعود بالمنافع على المجتمع. وتنص نظرياته على أنه ليس بفضل وكرم الجزار أو الخباز توفير الطعام لنعيش عليه، بقدر ما يرجع إلى نظرتهم إلى مصالحهم الخاصة، وعندما نطلب منهم أن يقدموا لنا خدماتهم فإننا لا نتوسل إلى إنسانيتهم بقدر ما نستحث مصالحهم الشخصية من خلال المكسب والخسارة.

في عام 1776 طبع آدم سميث كتابه «ثروة الأمم»، تزامن الكتاب مع مرحلة وصدفة، أما المرحلة فهي بدء الثورة الصناعية، و»الصدفة المحكمة»، فهي استقلال الدولة الرأسمالية الأعظم أمريكا، ومبادئ سميث تزحزح بعضها وبقي بعضها الآخر، لكن الوشوم التي تركها في جسد الاقتصاد ونظريته لن تزول.وهذا الكتاب يعتبر مرجعا أساسيا من أمهات الكتب في الاقتصاد السياسي، ويعتمد عليه كثير من الاقتصاديين المعتمدين عليه، بالإضافة إلى أن آدم سميث كان أول من اعتبر الاقتصاد علما منفصلا بذاته عن باقي العلوم والمجالات البحثية؛ مما جعله يستحق بجدارة لقب «أبو الاقتصاد الحديث»، كما أن سميث جعل معيار مقياس الثروة لا ما يكدس في الخزائن المقفلة بل بمجمل الإنتاج، وفصل بين الاقتصاد والأخلاق، مع أنه درس في فلسفة الأخلاق، وألف قبل «ثروة الأمم» كتابه «نظرية المشاعر الأخلاقية» عام 1759، والتقى مواطنه الفيلسوف الأسكتلندي ديفيد هيوم وشجعه على الاستمرار في تأليف هذا الكتاب القيم.

حيث إن ما منحته نظرية سميث من تحرير الاقتصاد ونظريته مما يمكن أن يعرقل حركته غيرت مفاهيم التجارة وفتحت أسئلة تقسيم العمل، والمبدأ الأقوى فصل «الميتا» عن «الفيزيقا» من أجل وضع الدنيا وشؤونها وتعاملاتها مضبوطة بقيم دنيوية أصلها المنفعة، وهذا أساس التجارة، بل مكن هذا المبدأ الدول من اكتشاف فرص استثنائية من دون ربطها بالمصلحة الدنيوية لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه. فالنماذج الاقتصادية تبنى على أسس المنفعة والمصلحة بشكل أساسي.

بعد ذلك جاء جون ناش وقام بتطوير نظرية سميث ليثبت أن الوصول إلى أفضل النتائج يتطلب الدافع الشخصي والاجتماعي معا، لأن الدافع الشخصي فقط من الممكن أن يخلق تضارب مصالح وفق نظرية Nash Equilibrium، والتي تعتبر من النظريات الجيدة خاصة في حالات تضارب المصالح أو في وجود مع مجموعة منها، فحيث سيحدث تضاربا للمصالح، وهذا ما تؤكده النظرية بشكل يوصل الشخص لأفضل الخيارات والوصول للنتائج المرغوبة عن طريق خدمة الذات وخدمة المجموعة.

جدير بالذكر أن جون فوربس ناش ولد في 13 يونيو 1928 في بلوفيلد في فيرجينيا الغربية وتوفي في 23 مايو 2015، وهو متخصص في مجال الرياضيات وعالم اقتصاد أمريكي اهتم بنظرية الألعاب والهندسة التفاضلية، له إسهامات كبيرة في نظرية الألعاب ممثلا في نظرية التوازن والتي أخذت اسمه.

هذا وقد حصل جون ناش على جائزة نوبل في علم الاقتصاد عام 1994 وذلك تكريما لجهوده في نظرية الألعاب والتي لها استخدامات كبيرة في الاقتصاد والتفاوض التجاري، كما أنه نشر ما مجموعه 23 بحثا علميا من الفترة ما بين 1945 و1996.

وبعد استعراض لبعض تاريخ الفلسفة الاقتصادية ودورها في تقدم الأمم حيث إن الاقتصاد هو مرآة للواقع الإنساني، ليس لأنه يشمل النشاط الإنساني كله، وليس لأنه السبب المباشر في رفاهية الإنسان أو تعاسته، وإنما لأنه مقياس لتحضر الفكر الإنساني، لأن الحضارة تحولت من طورها النظري، الذي يعتمد على مجرد الأفكار وتطبيقاتها على الفرد، إلى الطور العملي، والذي تقاس فيه حياة الإنسان بكم الآلات التي يتعامل معها، وبحدودية الأرقام التي تؤثر في حياته، أو لا تؤثر لأنه برغم من ذلك، إلا أن ثمة مجتمعات تعود إلى الوراء بشكل لافت، في كل ما يمس حياة الإنسان، هذه العودة ليست مجردة الملامح، لكنها تحمل في طياتها عودة عن المبادرة والقيم والأخلاق الإنسانية، والفطرية التي أوجدها، إلى عصور قادمة من الفساد والتخلف الاقتصاديين.

في الختام .. يجب أن أؤكد أنني أؤمن بأن الناس قادرون على فعل كل ما يشاؤون في حياتهم وأؤمن بأن الناس والمجتمع يزدادون سعادة عندما يتصرفون اعتمادا على مصالحهم الذاتية المتنورة.

S_Darrab@