أحمد محمد الألمعي

الأطفال فريسة لرغبات محرمة.. رأي علم النفس والمجتمع

السبت - 27 مارس 2021

Sat - 27 Mar 2021

الإساءة الجنسية للأطفال من قبل الكبار أو المراهقين سلوك مشين موجود في كل المجتمعات، بصرف النظر عن الثقافة والدين وأي عوامل أخرى. بصفة عامة، يعتبر أي نوع من الاتصال الجنسي بين شخص في سن الرشد أي تجاوز الثامنة عشرة وأي قاصر من الجنسين تحت سن الثامنة عشرة، جريمة تعاقب عليها كل دول العالم بصرف النظر عن موافقة القاصر أو لا، لأنه في نظر قوانين الدول أن القاصر ليس في سن تؤهله لإعطاء الموافقة للمشاركة في أي نوع من التواصل الجنسي، حتى ولو كان ذلك مجرد اللمس بطريقة غير لائقة.

ويعتبر المعتدون الجنسيون على الأطفال خاصة في الغرب من أسوأ المجرمين، وتنزل بهم عادة أقسى العقوبات، ويتم عزلهم في السجون لحمايتهم من السجناء الآخرين الذين ينظرون لهم بنظرة غضب واستحقار وينتهزون الفرصة للانتقام منهم أحيانا بالعنف الذي قد يصل للقتل. ويعكس ذلك إلى حد بعيد نظرة المجتمعات لهم، فهم في نظر المختصين ورجال القانون يشكلون خطرا كبيرا على المجتمعات، لأن سلوكيات الاعتداءات الجنسية على الأطفال تتكرر عندما تحين الفرصة للمعتدي والموضوع مجرد مسألة وقت كما أثبت كثير من الأبحاث.

وتتخذ المجتمعات الغربية إجراءات صارمة لمنع حدوث تلك الاعتداءات، خاصة من قبل ذوي السوابق، وقد يوضع كثير منهم تحت الرقابة القانونية لبقية حياته، ويوضع على سجل مرتكبي الاعتداءات ضد الأطفال وتكون هذه السجلات متوفرة للجميع، ويشمل ذلك عنوان الإقامة، ويمنعون من الاقتراب من مدارس الأطفال أو أي أماكن يرتادها الأطفال مثل الحدائق العامة فهم مطالبون بالبقاء بعيدين مسافة 2-3 كلم من هذه الأماكن، ومخالفة أي من هذه الشروط يعرضهم للسجن مرة أخرى لعدة سنوات. نفس الأنظمة تنطبق على كل المعتدين الجنسيين على النساء بصفة عامة ولكن بدرجات أقل.

الإساءة الجنسية للأطفال قد تحدث من قبل مراهقين أكبر سنا يمارسون نفس السلوك وهو لا يختلف في مضمونه وأخطاره عن سلوك المعتدين الكبار، ويجب التعامل معه بكثير من الحزم والحذر، لأن الولع الجنسي بالأطفال يبدأ في سن المراهقة ويستمر لسنوات طويلة، وتتكرر الاعتداءات الجنسية تجاه أطفال من نفس الأسرة أو الجيران وحتى الغرباء، فهم في أحيان كثيرة في غير موضع شك، وتحدث الاعتداءات في أوقات وأماكن مختلفة وعندما تسنح الفرص، ويعاني هؤلاء المراهقون عادة من سلوكيات إجرامية أخرى، كما توضح الأبحاث التي سأستعرضها في هذا المقال.

في مجتمعاتنا الإسلامية، يعتبر أي اتصال جنسي خارج إطار الزواج من المحرمات التي تستوجب العقوبة، ووضع ديننا الحنيف الكثير من التشريعات والضوابط لتنظيم العلاقة الجنسية بكل أشكالها. وهناك التشريعات الواضحة لحماية الأطفال. وبرغم كل القوانين التي تم سنها في كثير من الدول، لا زلنا في أول الطريق في مجال حماية الأطفال. فالمجتمعات العربية تحتاج إلى كثير من التوعية لحماية الأطفال والإلمام بخطورة ومضاعفات الاعتداءات الجنسية، ويشمل ذلك الجهات القانونية والمحاكم التي تحتاج إلى كثير من المختصين والتدريب للتعامل مع مثل هذه الحالات، حتى لا يصبح الضحية مجرما بسبب جهل وافتقاد الجهات المختصة للتدريب الكافي، وقد يفلت المعتدي من العقاب ليستمر في الاعتداء على ضحايا آخرين في مكان وزمان آخرين حين تسنح له الفرصة في غياب الرقابة في أحيان كثيرة لأن أقوال الطفل لا تؤخذ بعين الاعتبار.

لقد وصلت صور الاعتداء الجنسي على الأطفال إلى نقطة تمثل أزمة على الإنترنت، حيث انتشرت بمعدلات غير مسبوقة بسبب جزئي مفاده بأن منصات التكنولوجيا ووكالات تطبيق القانون فشلت في مواكبة تلك المشكلة، لكن لا يُفهم الكثير عن القضية الكامنة وراء الأسباب: ما الذي يدفع هؤلاء الأشخاص إلى الاعتداء الجنسي على الأطفال؟ ما هو الباعث والمثير لذلك؟

بدأ العلم في السنوات الأخيرة في تقديم بعض الإجابات. هناك قاسم مشترك بين معظم المتحرشين بالأطفال: عادةً في سن المراهقة يكتشفون أن ميولهم الجنسية لم تنضج مثل أي شخص آخر. يتعلق معظمهم بالأولاد أو الفتيات من نفس العمر الذين اجتذبوهم لأول مرة في بداية سن البلوغ، على الرغم من أن البعض يحتفظ بالاهتمام بالأطفال الأصغر سنا.

قال الدكتور فريد برلين، مدير عيادة جونز هوبكنز لاضطرابات الجنس والهوية الجنسية «لا يختار الناس ما يثيرهم بل يكتشفونه». «لا أحد يريد أن يصبح شاذا ويشتهي الأطفال» والصورة أكثر تعقيدا، فلخلفية الشخص ونشأته دور كبير.

وعلى مدار الجيل الماضي، درس علماء النفس وأخصائيون في الطب الشرعي وغيرهم الاعتداء الجنسي على الأطفال، وهو اضطراب يتسم بـ «التخيلات أو الحوافز أو السلوكيات المثيرة المتكررة والمكثفة التي تنطوي على نشاط جنسي مع طفل ما قبل البلوغ»، وذلك وفقا للدليل الإحصائي للتشخيص النفسي. أجرى هؤلاء الخبراء مقابلات مع المرضى بصورة مستفيضة وعميقة، وجمعوا تاريخ المرض وأجروا مجموعة متنوعة من المقاييس النفسية والتشريحية.

وعلى الرغم من عدم وجود دراسة تقدم صورة كاملة للأمر، إلا أن هناك صورة آخذة في الظهور، صورة تساعد في توضيح الديناميكية أو الآلية العقلية الكامنة والقابعة وراء تلك الزيادة في صور الإساءة، والفساد المتزايد الذي يتصوره الشخص المريض. تتحدى تلك النتائج أيضا الصور النمطية الشائعة حول ماهية الاعتداء الجنسي على الأطفال، وما هي مخاطر الانخراط في الاعتداء الجسدي.

إن الغالبية العظمى من المجرمين المدانين هم من الرجال الذين يعتدون على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاما. لكن النساء يرتكبن أيضًا جرائم أخرى، وتشير التقديرات التقريبية إلى أن معدل الانجذاب الجنسي للأطفال يتراوح من 1% إلى 4 % لدى كل من الرجال والنساء. وتشير الدراسات إلى أن نسبة صغيرة من المتحرشين بالأطفال من الذكور والإناث يهتمون بالأطفال الصغار وحتى الرضع.

وقد تساهم العوامل النفسية والبيئية أيضا في ذلك، على الرغم من أنه لم يتضح بعد ماهية تلك العوامل أو كيفية تفاعلها مع الظروف التنموية.

و على النقيض من ذلك، فإن الافتراض الشائع بأن المتحرشين بالأطفال تعرضوا لسوء المعاملة كأطفال الآن لديه دعم أقل في الأبحاث. ويتعرض الأطفال الضحايا لخطر أكبر بكثير من التعرض لتعاطي المخدرات والاكتئاب والضغط النفسي المستمر أو العدوان الإجرامي أكثر من كونهم متحرشين. يقول الخبراء، إن الغالبية العظمى من الجناة ينكرون أي اعتداء جنسي في طفولتهم، على الرغم من أنهم قد يكتسبون التعاطف في المحكمة من خلال القيام بذلك. قال الدكتور كانتور: «إن الطفولة الفوضوية تزيد من احتمالية السلوك الفوضوي من أي نوع».

العلاقة بين مشاهدة الصور أو جمعها وارتكاب الاعتداء الجنسي هي مسألة نقاش مستمر بين بعض الخبراء، وهي مسألة بالغة الأهمية لتقييم المخاطر التي يشكلها الجاني. حتى وقت قريب، كان الرأي السائد هو أن أقلية فقط من الأشخاص الذين تم القبض عليهم وهم يشاهدون مثل هذه الصور والأفلام، بين 5 % و20 %، ارتكبوا انتهاكات جسدية أيضا.

بدأ هذا التصور يتغير في عام 2007، عندما أفاد اثنان من علماء النفس في المكتب الفيدرالي الأمريكي للسجون بأن 85 % من المخالفين المدانين عبر الإنترنت، اعترفوا أثناء جلسات العلاج أنهم اغتصبوا أطفالا أو اعتدوا عليهم جنسيا.

المعدل المرتفع للسلوك الإجرامي السابق ينافي افتراضا شائعا آخر حول المتحرشين بالأطفال. قال جو سوليفان، المتخصص في الجرائم الجنسية ضد الأطفال في أيرلندا وبريطانيا: «لا ينبغي أن نفترض أن مشاهدة الصور على الإنترنت تؤدي إلى إساءة معاملة الأطفال الضحايا شخصيا». «في تجربتي السريرية، العكس هو الصحيح. معظم هؤلاء الرجال قد ارتكبوا بالفعل جرائم أخرى».

من وجهة النظر هذه، فإن الصور المسيئة على الانترنت، خاصة التواصل مع مجموعات من المتحرشين بالأطفال ذوي التفكير المماثل عبر الإنترنت، لا يوقظ الرغبات الكامنة، فالرغبات مستيقظة أساسا، وفي كثير من الحالات، تم بالفعل التصرف بناء على هذه الرغبات. أشار الدكتور بورك إلى أن الصور والمجتمعات عبر الإنترنت يمكن أن تساعد في تآكل الموانع بشكل أكبر، وتحفيز التعلق بالأطفال ويؤدي إلى أعمال أكثر تكرارا أو أكثر عدوانية. ففي النهاية إن ذلك يشكل نوعا من الإدمان الشديد. وذكر أن «ما تراه، في تاريخ بحثهم، هو أنهم يتعلمون كيفية التهرب من تطبيق القانون، ويصبحون أكثر ثقة ويبدؤون في استخدام وسائل المراوغة للتغلب على الموانع الأخلاقية».

يقول المعالجون إن تعلم التحكم في الرغبات منهك وصعب في كثير من الأحيان، لأن الرغبة الجنسية لا يمكن إيقافها، ولا يمكن استبدالها بالطريقة التي يمكن بها مبادلة الهيروين بالميثادون للعلاج. قد يتطلب العلاج عقاقير تقلل من هرمون الذكورة التستوستيرون بالإضافة إلى برامج علاجية أخرى تحد من إدمان المواقع الإباحية على الإنترنت. وتشير الدراسات إلى أن 40% على الأقل من مرتكبي الجرائم الجنسية كانوا يتعاطون المخدرات أو الكحول عندما ارتكبوا جرائمهم.

قال الدكتور برلين: «الشيء المهم، في اعتقادي الشخصي، هو أن يعرف الناس أن العلاج ممكن». «هناك مجموعة فرعية من المولعين جنسيا بالأطفال مقتنعون تماما بأنهم لا يريدون ممارسة الجنس في الحياة الواقعية مع الأطفال.

أسباب الاعتداء الجنسي على الأطفال

غالبية الناس يشعرون بالاشمئزاز الشديد والغضب تجاه المتحرشين بالأطفال. وقد قامت الباحثة الأسترالية كيلي ريتشاردز من جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا بأستراليا بعمل دراسة لمجموعة تضمنت 800 من المتحرشين بالأطفال. وقد وجدت أن هناك تفسيرات سببية مشتركة للتفكير بالأطفال والاعتداء الجنسي عليهم، منها «ولدت بهذه الطريقة» أو أنهم ضحية اعتداء جنسي في صغرهم.

وقد قامت بتحليل ما يقرب من 800 تعليق نشرها أفراد من الجمهور على أربعة منتديات على الإنترنت تم إنشاؤها بعد الإعلان عن برنامج جديد لإعادة إدماج مرتكبي الجرائم الجنسية في جنوب أستراليا.

وقد طرح الأشخاص في المنتدى أربعة تفسيرات للاعتداء الجنسي على الأطفال، كان الرأي الأول الشائع هو أن الاعتداء الجنسي على الأطفال هو توجه جنسي أقرب إلى المثلية الجنسية. ثم ذكروا أن المتحرشين بالأطفال ببساطة «يولدون بهذه الطريقة»: «يفعلون ذلك لأن تلك ميولهم الجنسية». والبعض قال «إذا أوحى لهم تفكيرهم انجذابهم للأطفال فلا يمكن لأي شخص تغيير ذلك». وهناك الاعتقاد مثل أنه لا يمكنك «علاج» لون عيون الأشخاص! فلا يمكنك علاج الطريقة التي يفكر بها مغتصبو الأطفال أو يتصرفون بها. ويعتقد البعض الآخر أن الاعتداء الجنسي على الأطفال سببه مرض عقلي، في إشارة إلى «مشكلة الصحة العقلية»، والحاجة إلى «دعم الصحة العقلية» ومساعدة «المرضى عقليا».

وقد شملت التعليقات النموذجية ما يلي:

«الاعتداء الجنسي على الأطفال هو نوع من الأمراض العقلية». «دماغهم ليس مركبا بشكل صحيح، مما يجعلهم ينجذبون جنسيا إلى الأطفال». «لديهم خلل في وظائف المخ ولا يمكنهم التغيير».

تماشيا مع نتائج الأبحاث السابقة من الولايات المتحدة، فقد وجدت أن أفراد الجمهور «غالبية الناس» أيضا ينظرون بشكل شائع إلى الاعتداء الجنسي على الأطفال على أنه مظهر من مظاهر نظرية شيوعها عبر الأجيال. ويشير هذا إلى فكرة أن المعتدين جنسيا على الأطفال تعرضوا للاعتداء كأطفال، ولذلك فإنهم يستمرون في نفس السلوك كبالغين.

أخيرا، يعتقد العديد من أفراد الجمهور أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يعكس ببساطة خيارا من جانب الجاني، مشيرا إلى «اختيار الجناة للقضاء على حياة الطفل وبراءته»، «الخيار الذي اتخذوه لتدمير حياة طفل بشكل دائم باغتصابهم له»، و»خيارهم الجبان المريض الذي يتخذونه لتدمير طفل». حتى إن البعض يصف الاهتمام الجنسي بالأطفال في حد ذاته بأنه اختيار «لقد اختاروا بين أن تكون لديهم مشاعر جنسية تجاه الأطفال على أن تكون لديهم مشاعر جنسية تجاه الكبار».

ما الذي يحدث بالفعل؟

ماذا يجري بالضبط؟

أولاً، من المهم أن نفهم أن الاعتداء الجنسي على الأطفال والشعور الجنسي تجاه الأطفال ليسا الشيء نفسه. يشير مصطلح «التعلق الجنسي بالأطفال» إلى الاهتمام الجنسي الدائم بالأطفال في سن البلوغ، والذي قد يتم أو لا يتم التصرف بناء عليه من قبل الشخص.

ليس كل الذين لديهم أفكار جنسية تتعلق بالأطفال يقومون بذلك فكثير منهم لديهم القدرة والردع النفسي لعدم الانقياد لنزعاتهم. وهناك الاعتقاد بأن ليس كل من يعتدي على الأطفال كان ضحية اعتداء في صغره وهذا التبرير يستخدم بشكل كبير في المحاكم لمحاولة تخفيف العقاب.

ومع ذلك، فإن الذكور من ضحايا الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثلون نسبة عالية بين مرتكبي الاعتداء الجنسي على الأطفال. هذا يشير إلى أن الإيذاء بالنسبة للذكور هو عامل خطر للإساءة في وقت لاحق. يبدو أن مجموعة من العوامل، بما في ذلك شدة الإساءة، وعمر الضحية، وجنس الجاني، تشكل هذا الخطر أيضا.

هناك أيضا بعض الحقيقة في الاعتقاد العام بأن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل اضطرابا عقليا، ولكن في بعض الظروف فقط.

وفقا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، لا يمكن تصنيف الاعتداء الجنسي على الأطفال على أنه اضطراب إلا إذا تسبب في ضائقة أو ضعف للفرد في كثير من نواحي حياته، أو إذا تم التصرف بناءً عليه من شأنه أن يتسبب في ضرر أو خطر إلحاق الأذى بالآخرين. ومن المهم ذكر أن التعلق بالأطفال جنسيا قد يكون أحيانا جزأ من بعض الاضطرابات النفسية المعروفة مثل الذهان.

في الواقع، إن أسباب الاعتداء الجنسي على الأطفال متعددة ومعقدة. بالنظر إلى أن الرأي العام ورأي عموم الناس فانه يؤثر على القانون والسياسة، فمن الأهمية بمكان أن يكون الجمهور على دراية أفضل بهذه القضية الهامة. ويبقى الوعي المجتمعي بخطورة الاعتداء على الأطفال والعقوبات المشددة من أهم الطرق لحماية الأطفال والمجتمعات وإيقاف استمرار هذه الممارسات من جيل إلى أجيال أخرى.

@almaiahmad2