ياسر عمر سندي

لماذا؟

الأربعاء - 24 مارس 2021

Wed - 24 Mar 2021

التعليل الجميل للحياة أن نبدأ من المعنى الذي ندركه لنعيش من خلاله ولأجله، وكلما اتسعت لدينا المفاهيم اتضحت أمامنا معاني الوجود، فيصبح للحياة ثمن وقيمة ومكانة، وكلما تضاءلت وانكمشت وتلاشت التعليلات يعترينا كثير من التوهان والفقدان وعدم الاتزان، ولا يتحقق أي تفسير أو تبرير إلا إذا أوجدنا منهجا سليما نضع له آلية السبب والمسبب في جميع أمورنا الحياتية صغيرها وكبيرها لترجمة سلوكياتنا منذ إدراكنا حتى وفاتنا للقدرة على إعادة تقييم المواقف وتقديرها.

عندما نضع أداة استفهامية معيارية مثل أداة «لماذا» بالتالي نحن نحفز الجزء الخاص بالربط والتصور في عقولنا ونعمل على إيقاظ الحس التنويري اللاشعوري والتوعوي الشعوري الذي ينمي لدينا إشارات الفهم والإدراك بالإضافة إلى تفعيل عمل التعمق بالتحليل، الذي يعتبر من العمليات المعرفية العقلية العليا لدى البشر لتقديم الدعم المادي والمعنوي في الأحداث والمواقف والافتراضات والعادات وردات الفعل اللفظية والفعلية والإيمائية التي تحصل تجاهنا أو تصدر من جانبنا تجاه غيرنا بشكل يومي.

على سبيل المثال هنالك شخص يذهب إلى عمله كعادته وفي يوم ما خلال هذه الرحلة من محطة المنزل إلى وجهته للعمل صادف ازدحاما مروريا في أحد الطرق الرئيسة مما أدى إلى تأخره عن وقت دخوله مبكرا، فمن الطبيعي في هذه الأثناء أنه سيطرأ عليه تفكير لحظي سلبي تجاه ذلك الموقف والذي يتمثل بافتراضات ذهنية مسبقة، بأن المدير سوف يوبخني أو أنه سيخصم من راتبي وأنال لفت نظر وستتأخر الترقية، وبالتالي سيتكون في اللاشعور شيء من فقد الاتزان الذي يقود إلى انفعال الغضب وربما تعكر المزاج والذي سينسحب على أدائه للعمل وجودته وسيؤثر سلبا على الزملاء والعملاء والمراجعين وربما يتطور الأمر ليتعدى السلوك السلبي بعد العودة إلى المنزل مع الزوجة والأبناء ليسقط عليهم جام غضبه كونهم الحلقة الأضعف.

وفي مشهد آخر ربما يتم اختيار موظفا محددا لأداء المهمة والتي تتطلب الخبرة والدراية وبافتراضات الموظف الذهنية المسبقة سيتحول الموقف إلى الإيجابية بالتعزيز والثقة النفسية بـ «لماذا» الاستفهامية وتأتيه الإجابة التعليلية «لأن» تلك المهمة لا يتقنها سوى الأكفاء من الموظفين، وتم اختياري و»لأن» المدير لا يثق إلا بي كوني الأمين على أسرار العمل و «لأن» الإدارة تحتاج إلى مرشحين متقنين للعمل فوقع اختيارهم علي.

«لماذا» بخطواتها الواعية تساعد كثيرا على الفهم والتفسير وتفتح مجالا للسجال والحوار مع الذات والذي يبتدئ بمفتاح الإجابة «لأن».

لماذا هذا الطريق مزدحم اليوم على غير عادته؟ العقل المدرك في لحظات سيجاوب لأن حادثا مروريا أعاق حركة السير وأثار فضول العامة ولأن ذلك خارج عن إرادتي سأوجد عددا من التعليلات كأن أتصل على مديري لأخبره بالأمر أو أتواصل مع أحد من زملائي أو أسلك طريقا آخر.

هذا التساؤل الذي يبدأ بـ «لماذا» يضيء خارطة الطريق بالربط التحليلي العقلاني للحدث، مما يخفف من وطأة النتيجة السلبية ويعيد التوازن النفسي الإيجابي إلى حالته الطبيعية قبل أن يتخلخل.

إذن لماذا لا نمارس جميع أمورنا وسلوكياتنا التي تواجهنا باستفهامات التعليل بين دفتي السؤال والإجابة ونعتاد على ذلك لتكون سنة حسنة نتقمصها لتزيد نسبة الوعي ويرتفع معها معدل الثبات.

لماذا لم يرد صديقي على اتصالاتي؟ لماذا لم يتم إنجاز معاملتي؟ لماذا لم تفهم زوجتي؟ .. لماذا؟ .. لماذا؟

سلوكياتنا في معظمها إن لم تكن جميعها تدور رحاها بين الاستفهام: لماذا الحياة تحتاج إلى التعليل؟ نستدركها بالإجابة التالية: لأن ذلك يعطينا المعنى الجميل.

@Yos123Omar