محمد الأحمدي

لا تضح بالمقربين منك

الثلاثاء - 09 مارس 2021

Tue - 09 Mar 2021

ستجد نفسك في مرحلة الدراسات العليا منذ بدايتها محملا بكثير من المهام التي تشغل فكرك، وترهق جسدك، وتستهلك الشيء الكثير من طاقتك. وهذا بلا شك سيؤثر على علاقاتك الاجتماعية إن استسلمت لتلك المهام، وملكتها زمام قيادتك. وفي الحقيقة فإن الإنسان اجتماعي بطبعه، وإخراجه من هذا المجال إلى العزلة الذاتية التي قد تتمثل أحيانا في عزلته حتى حين اجتماعه مع الناس بالشرود الذهني، لأن التفكير مرتبط بالأهمية التي أعطي إياها، وتبرمج على أن تأخذ الحيز الأكبر من يومه. وهذا هو الأمر المرهق الذي قد لا يظهر بشكل مباشر، وإنما يؤثر على النفس بشكل دائم، وبالتالي سيؤثر على المحيط بهذا الإنسان، أو ذوي الصلة به كعائلته النووية، أو الممتدة التي تشكل هوية هذا الإنسان وانتماءه.

يبرز دور مهارات الاتصال في مرحلة الدراسات العليا على وجه الخصوص للمبتعثين الذين يفارقون أوطانهم، وأحبابهم، وعوائلهم ليحققوا هدفين رئيسين من هذه المهارات. الأول تعزيز الارتباط الوثيق بعلاقاتهم السابقة مع مجتمعهم، وتقليل التوتر الذي ينشأ لدى العائلة في الوطن تجاه المبتعث. الصورة الذهنية تؤثر طبعا في تصورات ذوينا أيا كان مستوى المعيشة الذي تعيشه في بلد البعثة، بحيث يرون بأن من يغادر موطنه لهدف ما فإنه في معاناة حتى يعود. وهذا فيه شيء من الصحة، رغم أن وسائل التقنية الحديثة وتقارب المجتمعات، وتشابه بعض القيم المجتمعية قلل من هذا المبدأ، إلا أن الشعور بالانتماء للمكان يبقى المحور الأساسي في روح كل من يغادر موطنه لأي هدف كان. أما الهدف الثاني فإنه خاص بالمبتعث نفسه، فبتواصله مع الآخرين تتحقق له الفعالية والإنجاز لتحقيق الهدف من جانب، ومن جانب آخر الاطمئنان تجاه القضايا المشتركة، والبقاء على اطلاع دائم بمستجدات الأحداث.

لا يخفى عليكم ما تتصف به المرحلة الأكاديمية من مهارات كالتفكير النقدي، والتحليل العميق للنصوص، وبناء المنطق القائم على الحجة والدليل، واعتبارات السياقات التي ترد فيها النصوص، ولذا سيكون لدى الباحث حاسة دقيقة صاغتها الدراسة الأكاديمية وإن سميتموها الحاسة السادسة فهي كذلك، وفي توجيهها لتحسين اتخاذ القرار في الحياة اليومية، أو في إيقاف سيل الرسائل التي تتوافد من كل حدب وصوب في وسائل تواصلك من الإيميل حتى الهاتف الجوال فائدة كبيرة. ومن النبل في الأخلاق ألا توجه مهارات البحث والتفكير النقدي نحو من تريد أن تبقى العلاقات معه دائمة، كذوي القربى والأصدقاء إلا إن حققت مصلحة الوصول لقرار جماعي معهم. فالحياة اليومية التي تقدم فيها العلاقات الإنسانية تختلف عن التعاملات الأكاديمية والبحث العلمي. فالإنسان بطبعه لا يحب النقد أيا كان مستواه، وأحيانا حتى التوجيه المباشر، فكيف بالمناكفة في الحجج في السياقات العامة أو الخاصة في عصر أصبحت المعلومة متاحة بين أيدي الجميع، والاستشارات متوفرة لكل من يرغبها بلا جهد يذكر.

الهدف الذي أعنيه بهذا إن التواصل مع الآخرين أولى من الحدة في الرأي في الاجتماعات الودية أو مناسبات الأفراح. وأن بث روح الإيجابية في الحديث، وتقديم العلاقة الإنسانية أنت أيها الباحث بحاجة لها قبل الآخرين. وتعلم بأن الحوارات التي هدفها الأخذ والعطاء والمتعة والترفيه، عادة لا تبني مستقبلا، ولكن قد تهدم فردا. وتقديم الأصل الذي يعتبر التواصل الإنساني، والحفاظ على العلاقات أكثر من مقارعة الحجة بالحجة على مبدأ البحث الأكاديمي.

تعلمت أن صناعة الابتسامة لا تكلف كثيرا. فقد تصنعها بابتسامة، وقد تصنعها بالتنازل عن حق لا يؤثر على مجريات حياتك اليومية، وقد تصنعها بكلمة جميلة لشخص محتاج لها لا يشترط أن تعرفه حتى تسعده. وعلى سبيل المثال عندما تسمح للمارة بالمرور أمامك في الطريق العام أو من معبر المشاة فبادلهم الابتسامة وسيبادلونك مثلها وربما أكثر، وهذا سينعكس على روحك مع الزمن بأن تكون مليئا بالسعادة والتفاؤل.

القاعدة أن الحفاظ على العلاقة مع ذوي القربى، والأصدقاء، ورفقاء الدنيا الذي يعينون الإنسان على الحياة، ويشدون من أزره على عمل الخير، ويقوون من أمره أولوية؛ مقدم عن غيره من المهام الأخرى. وأعتقد أن من ظلم المقربين من الإنسان إهمالهم، أو نقدهم نقدا لا يحقق هدفا من الأهداف الحياتية المشتركة.

@alahmadim2010