إردوغان يحول الاقتصاد التركي إلى «حطام قطار»

عمولات وعمليات فساد واسعة وراء التشريعات الجديدة لتراخيص الذهب
عمولات وعمليات فساد واسعة وراء التشريعات الجديدة لتراخيص الذهب

الأربعاء - 20 يناير 2021

Wed - 20 Jan 2021

وصف أحد الخبراء الاقتصاد التركي بأنه «حطام قطار في حركة بطيئة»، بعدما فقدت الليرة 25% من قيمتها، مقابل الدولار الأمريكي خلال عام واحد، وباتت واحدة من أسوأ العملات أداء في العالم خلال 2020.

وفيما حمل الأتراك رئيسهم رجب طيب إردوغان الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد، وانخفاض احتياطيات العملات الأجنبية، نال صهره بيرات البيرق الكثير من الغضب حتى بعد استقالته من وزارة المالية عبر انستجرام في 8 نوفمبر.

وترجع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أحد أسباب الأزمة الاقتصادية إلى اندفاع الأتراك نحو الذهب، مما تسبب في إحداث فوضى في العجز التجاري التركي، واتسع في الفترة من يناير إلى نوفمبر إلى 45 مليار دولار، وهو ما يقارب من الضعف مقارنة بالعام الماضي.

ويقول تقرير صادر عن المؤسسة «إن الأحداث السابقة من التضخم المفرط، وتخفيض قيمة العملة، وإخفاقات البنوك، أدت كلها إلى تدمير الثروات بين عشية وضحاها، وأسهمت في إحساس غريب بالمخاطر المقبلة، مما جعل البعض يعتبرون الذهب الطريق الأكثر أمانا للإدخار، والملاذ الآمن من الأزمات التي يفتعلها نظام إردوغان.

تخبطات إردوغان

وأظهر استطلاع حديث أجرته الشركة التركية التابعة للبنك الهولندي ING أنه بالنسبة لواحد من كل أربعة مواطنين أتراك، فإن الاحتفاظ بالذهب والعملات الأجنبية في المنزل هو الخيار الأفضل للادخار، وزاد الطلب على الخزائن في الصيف أربعة أضعاف، علاوة على أن واحدا من كل أربعة أتراك يحتفظون بالذهب والعملات الأجنبية في المنزل، وهو في رأيهم يوفر 18% من الفائدة أكثر من البنوك.

ويرى الكثيرون أن الاحتفاظ بالذهب في منزلهم أفضل من البنوك، وهناك إحساس متزايد لدى البعض بأن الودائع الموجودة في البنوك والبالغة 258 مليار دولار من الذهب والعملات الأجنبية لم تعد آمنة في ظل تخبطات نظام إردوغان، ويرجع ذلك إلى دفاع البنك المركزي التركي البالغ 133 مليار دولار عن الليرة، والذي يقوم به جزئيا من خلال خدعة المبادلة المزدوجة، حيث يأخذ البنك المركزي ودائع العملات الأجنبية من البنوك الخاصة في عملية المقايضة الأولى، ثم يسلمها إلى البنوك الحكومية (مقابل الليرة) في المقايضة الثانية، ثم تبيع بنوك الدولة ودائع العملات الأجنبية (بالدولار) لإبطاء انهيار الليرة.

مخاوف وفساد

وأسهم القلق المتزايد تجاه حكومة إردوغان في تخوف أكبر لدى الأتراك من الذهاب للبنوك، وبات الأتراك الأذكياء يحتفظون بمدخراتهم في المنزل، سواء في الذهب أو العملات الأجنبية، لكن في الوقت الذي يسعى فيه المواطنون العاديون إلى الحفاظ على ثرواتهم، يبحث حزب العدالة والتنمية بزعامة إردوغان عن طرق جديدة للاستفادة من اندفاع الذهب.

حيث قدم نواب حزب العدالة والتنمية في أكتوبر الماضي مشروع قانون لتجديد تراخيص تعدين الذهب في تركيا، وقام المشرعون بتعديل تشريعات التعدين أكثر من 20 مرة خلال العقدين الماضيين للالتفاف على اللوائح البيئية.

علاوة على ذلك، ونظرا لتاريخ حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بترتيبات الأصدقاء خارج الميزانية العمومية، فإنه لن يكون مفاجئا رؤية عمولات لتراخيص جديدة لتعدين الذهب وعمليات فساد واسعة.

مخطط مشبوه

كشف المحللون الذين راقبوا أرقام استيراد وتصدير الذهب خارج الرسوم البيانية في تركيا عن مخطط مشبوه لكسر العقوبات الأمريكية ضد إيران خلال العامين الماضيين، ويرون أن أرقام الاقتصاد الكلي لتركيا مضللة، ففي حين أكدت أن تركيا صدرت 14 مليار دولار ذهب إلى إيران، يؤكد الواقع أنها في الواقع مدفوعات أنقرة لطهران مقابل واردات الغاز الطبيعي، كما استغلت حكومة إردوغان ثغرة واضحة في نظام العقوبات الأمريكية، وكان العقل المدبر لهذا المخطط، رضا ضراب، الذي تفاخر أنه ساعد في خفض عجز الحساب الجاري لتركيا، حيث يواجه بنك خلق مقرض الدولة التركي الذي شارك في المخطط، اتهامات أمام محكمة فيدرالية في مانهاتن لمساعدته في التهرب من العقوبات الأمريكية ضد إيران.

ولم تكن إيران الشريك الوحيد المتورط في مكائد الحكومة التركية القائمة على الذهب، ففي عام 2018 ارتفعت صادرات فنزويلا من الذهب إلى تركيا، لتصل إلى 900 مليون دولار، لأن الرئيس نيكولاس مادورو قرر نقل تكرير الذهب من سويسرا إلى تركيا لتجنب العقوبات الأمريكية.

وفي أكتوبر 2019، حذر مساعد وزير الخزانة الأمريكية مارشال بيلينجسلي، أنقرة من أن واشنطن تدرس تجارة تركيا مع فنزويلا وستتخذ إجراءات إذا انتهكت المعاملات العقوبات الأمريكية، وبعد ستة أشهر أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضد شركة مقرها تركيا متورطة في شبكة عالمية للفساد وغسيل الأموال يديرها مادورو.

استغلال الفوضى

ويرى التقرير أن الطلب على الذهب يعكس واقع الحياة السياسية والاقتصادية في تركيا، ففي حين يحاول المواطنون الحفاظ على ثروتهم الضئيلة، تسعى النخبة السياسية المفترسة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسط الفوضى.

في جميع الاحتمالات، سيتحمل الأتراك العاديون وطأة السياسات الاقتصادية غير الحكيمة والمكائد الحكومية التي تنطوي على الذهب، إذا تفاقمت أزمة العملة ولجأ إردوغان إلى حظر ودائع العملات الأجنبية وتحويل مدخرات المواطنين بسعر صرف رسمي أقل من سعر السوق، والسماح للتضخم المفرط والأسعار الحقيقية السلبية بالظهور، وفي 20 نوفمبر المنصرم طلب من الأتراك «إخراج كل ما لديهم تحت الوسادة، سواء في الخارج أو في الداخل» ولم يستجب الاتراك للدعوة.

البؤس المستقر

وبالنسبة للأتراك، فإن الاحتفاظ بالذهب في المنزل هو أفضل إجراء مضاد لسياسات الحكومة غير التقليدية، لكنه يؤدي أيضا إلى تفاقم المشكلة، فاستيراد الذهب يضر بعجز الحساب الجاري لتركيا؛ ويضعف انخفاض المدخرات في البنوك إقراض الشركات، وإلى أن يكون لدى الأتراك نظام مالي يمكنهم الوثوق به، ستحتفظ الاستثمارات التقليدية بوضعها الثانوي.

ويؤكد التقرير أن المسار الاقتصادي الهبوطي المتوقع لتركيا يشبه «البؤس المستقر» الذي وصفه الفيلسوف الألماني والتر بنجامين في ألمانيا التي ضربها التضخم في فترة ما بين الحربين العالميتين، بالقول بأن «الظروف المستقرة لا تحتاج بأي حال من الأحوال إلى أن تكون ظروفًا ممتعة».

وحتى هذا التدهور «المستقر» لم يعد من الممكن اعتباره أمرا مفروغا منه في تركيا. إذا كان لقاح فيروس كورونا الذي طوره زوجان تركيان ألمانيان يؤدي كما كان متوقعًا إلى انتعاش اقتصادي عالمي في عام 2021، مما أدى إلى انخفاض أسعار الذهب التي وصلت إلى مستويات قياسية في أغسطس الماضي، فقد تتضرر ثروة الأتراك بشدة، ولن تؤدي فقط إلى الإفلاس الاقتصادي، ولكن إلى قيمة متناقصة لمدخرات الذهب الموثوقة في المنزل.