عبدالخالق المحمد

تهافت الإعجاز العلمي.. أفرعون اللعين أحج من رب العالمين؟!

الأربعاء - 16 ديسمبر 2020

Wed - 16 Dec 2020

إن الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، دون شك عند المنصف، هي أورع في التعامل مع النص الشرعي الشريف، وأكثر احتراما لمكانة السلف وعقول الخلف، ولكن دعونا نذهب لأهم ضابط عندها وقاعدة لصور (الإعجاز العلمي)، كما جاء في كتابها لمنهج التدريس الجامعي، بل ومشتمل تعريفها للإعجاز العلمي عليه «ثبوت استحالة معرفة البشر بالحقيقة العلمية وقت التنزيل».

ولنذهب لأعظم صورة من صور (الإعجاز العلمي) المدعى في القرآن الكريم، والذي لا يخلو منه كتاب في هذا الموضوع، بل وضعته الهيئة أول صورة في كتابها، وهي مراحل خلق الإنسان وأطواره في قوله تعالى «ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك اللـه أحسن الخالقين».

وإذا نظرنا إلى الآيتين التاليتين «ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون»، وإلى قوله تعالى في سورة الحج «يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا...» يجد أنها مسوقة لإثبات البعث والنشور، الذي كان محل نزاع بين نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، والكفار، والسور المكية مليئة بهذا الغرض.

ويلزم من هذا (الإعجاز) أن الله سبحانه وتعالى استدل بما يجهله المخالفون ليثبت ما ينكرون وما هم فيه شاكّون، فهل أراد أن يزيل شكهم في البعث فزادهم شكا وريبا؟! - سبحانه تعالى - وانظر إلى فرعون حين استدل على باطل مطلوبه (ربوبيته) استدل بما يعلم مخاطبيه ويقرون له به «ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون»، وأنتم تجعلون الحق تبارك وتعالى يستدل على حق مطلوبه (البعث) بما يجهل مخالفيه ولا يقرون له به، إذ كيف يقرون بما يجهلون! يا له من عذر سمين للكفار المعاندين وعموم المخالفين!

إن الأمر جد بسيط: لقد كان الناس يعلمون هذه المراحل جيدا، ويلحظونها بعيونهم المجردة، من خلال سقوط الأجنة في مراحلها المختلفة، بل إن الله قال «كلا إنا خلقناهم مما يعلمون»، وليراجع قول البغوي وابن عاشور في تفسير هذه الآية.

ومن الصور المقدمة على (الإعجاز العلمي) المدعاة: عديد من الصور في الأمثلة التي يضربها القرآن كقوله تعالى «أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور»، وأن المقصود هو الأمواج الداخلية للبحر... ومثل ذلك «مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون»، وما يتبعونه من شروح علمية مطولة، ومثل ذلك «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون»، وما يتبعونه من حديث عن الأوكسجين ونقصه.. فلنا أن نسأل: أليس الله سبحانه وتعالى يقول «ولا يأتونك بمثل» أي: بحجة وشبهة «إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا» أي: ولا يقولون قولا يعارضون به الحق، إلا أجبناهم بما هو الحق في الأمر نفسه، وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم.. هل هذه الأمثلة التي ضربها القرآن لهم لم تعلم إلا بعد 1400 عام؟! هل هي إذن بينة واضحة؟

ثم لنا أن نتساءل في هذه المعجزات العلمية: لم لم يبينها النبي صلى الله عليه وسلم؟ أليس أول ما يبينه الأنبياء لأقوامهم هو معجزاتهم؟ فعلى مدى عشرات القرون لا يعلمها المخاطبون ويصل إليها الكفار والملحدون دون حاجة منهم للدين؟ هل يستدل الأنبياء بالمعجزات قبل حصولها؟! أليس الأنبياء والرسل هم قاطعوا الحجة كما أخبر تعالى «لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل»؟

إن الله أكمل الموجودات، والإنسان أشرف المخلوقات، وعلاقته بربه أجل العلاقات، ولا سبيل لإتقانها إلا بالنبوات، وإلا غدت كغريب المعتقدات، والمتندر عليه من التشريعات، فلزم أن تكون دلائل النبوات أبعد ما تكون عن الأمور المبهمات، والقضايا الغامضات، لذا قال تعالى «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات».

Abdulkhaleqalm@