عبدالحليم البراك

(أو) (و) في العمل الوظيفي

الاثنين - 16 نوفمبر 2020

Mon - 16 Nov 2020

جملة سائدة في العمل الوظيفي، وهو سؤال المرؤوس لرئيسه: أتريد حضورا وانصرافا في وقتهما المحدد أو تريد إنتاجية عمل؟ وهذه الجملة التساؤلية في نظري يقع فيها خطأ كبير من ناحية السؤال قبل الإجابة، فـ (أو) حرف عطف يفيد التخيير، لكن - وفي وجهة نظري جازما - افتراض وجود حرف (أو) خطأ في الجملة أساسا، ففي العمل الحكومي لدى الموظف عقد عمل مع المواطن، هي لائحة الخدمة المدنية التي حددت ساعات العمل بطريقة محددة ودقيقة، ولم تفترض من ضمن افتراضاتها هذه الـ (أو) بالمجمل، اللائحة تضع الجملة بعامل ربط بينهما بحرف (و)، والمعنى أنه في العمل الحكومي تحتاج لحضور وانصراف (و) إنتاجية، ولا يوجد تنازل لأحدهما مقابل الآخر.

وبطريقة أخرى، لا يمكن أن يقول الموظف المرؤوس لمديره المباشر: هل تريد حضورا وانصرافا (أو) نزاهة في العمل، أو: هل تريد جودة في العمل أو عدم قبول الرشوة، فقبول الرشوة مرفوض في كل الحالات بحضور وبعدمه.

ولا تظهر هذه المشكلة في القطاع الخاص إطلاقا، لأن عقد العمل الواضح بين الموظف وصاحب المنشأة الخاصة جلي للغاية، فهو يطلب حضورا وانصرافا وعملا، يزيد على ذلك تكليف الموظف بأي عمل يضمن انشغاله وقت العمل، حتى لو لم يكن هذا العمل جزءا من اختصاصه لكنه قادر عليه، فكيف يكون هذا الوضع غير وارد في القطاع الخاص ويبدو واردا في القطاع العام، لولا استساغة أو تسويغ التقصير في الحضور والانصراف في العمل.

لذلك نقد الجمل الوظيفية التي قد تترسخ في ذهن الموظف يجب أن تبدأ من السؤال قبل الإجابة، ومن الجملة المبتدأ قبل الجملة الخبرية، ومن الفكرة قبل نواتجها، ولا يحق لنا أن نستسيغ مسألة اعتياد الناس على تلك المقولة دون قراءتها النقدية في سوق العمل وأدبياته، فإن كان مبتدأ الفكرة خطأ فلا يلزمنا الاستمرار فيها أصلا، وبناء عليه فإن جملة الحضور والانصراف أو الإنجاز في العمل، خطأ في البناء من خلال وضع كلمة (أو) أصلا.

وعلى ذلك، فإن الأجر الذي يأخذه الموظف مبني على عقد عمل نص على وقت العمل، وعلى كفاءة العمل والإنجاز وطبيعة التكليف، وكذلك على الأمانة وحفظ أساس المهنة، وبناء عليه لا يجوز المفاضلة بينهما إلا فيما فاضل فيه النظام، وإن كان ثمة حق للموظف، فإن ثمة حقوقا للوظيفة أيضا، فلا يسوغ العبث بالجمل والكلمات للتقصير في العمل والحضور والانصراف، بحجة العمل بكفاءة أو بإنجاز وإلا فلا!

وأخيرا، بقي أن نقول إن الالتزام بوقت الدوام هو مسؤولية الموظف تجاه وظيفته، يستقبل عملا أو يستقبل مراجعا، أو ينجز أعماله في وقتها، وعدم وجوده لحظتها يعني تأخير العمل، فلا مبرر له، لو صدق أصحاب: الإنجاز أهم من الالتزام؛ ماذا لو أتاك عمل في ساعة متأخرة في الليل مثلا، هل ستقول إن من حق رب العمل أن يطلبك للعمل في أي لحظة، بحجة الإنجاز أهم من الالتزام، يبدو أن الفكرة منهارة من أساسها، باعتبار الوقت وتنظيمه أساس العمل!

Halemalbaarrak@