عبدالكريم حبيب.. عمدة مزج منصبه بالعمل المجتمعي

السبت - 14 نوفمبر 2020

Sat - 14 Nov 2020

أدخل نظام «العمد» في السعودية وبمنطقة الحجاز خاصة في وقت مبكر، وبعدها عرف على مستوى المنطقة والدول العربية، حيث لعب دورا رئيسا في المجال الأمني والاجتماعي سواء في مدن السعودية أو قراها وهجرها، باعتبار أن «العمدة» ممثل لسلطة الدولة، فقد أعطي صلاحيات أمنية وغير أمنية واسعة كلها تدور على محور أساسي يتمثل في كونه شخصا من ساكني الحي المعين فيه، بل والعارف تماما لسكانه والمتواصل معهم اجتماعيا بحكم صلته ووجوده الدائم بين أوساطهم وخاصة في المناسبات الاجتماعية.

ويعد الدور الأمني المحور الرئيس للعمدة، حيث عد أحد المعاونين المهمين لأجهزة الأمن ممثلة في مراكز الشرطة المحلية، ولهذا اعتمدت أقسام ومراكز ومخافر الشرطة عليه في تلقي البلاغات بمناطق عملهم ومن ثم تصعيدها إلى السلطات العليا، كما اشتهر عن العمدة أنه من رجال الأمن الذين يتبعون بصفة مباشرة لوزارة الداخلية ممثلة في مديرية الأمن العام.

مكة والعمد

وتشتهر مكة بأنها أحد المعاقل الرئيسة في بروز شخصية «العمدة» بأوساطها الاجتماعية، حيث ما تزال رمزية هذا المنصب حاضرة وبقوة بين أزقتها وأحيائها رغم حداثتها وتطورها التي فرضتها التقنية الحديثة، حيث باتت البلاد تعيش أسلوبا مغايرا عما كانت عليه في الحقب الماضية.

يعد عبدالله بصنوي عمدة الشامية الأشهر في أوساط «العمد» بمكة المكرمة، فلم يكن عمدة وحسب، بل كان رمزا من رموز البلد الحرام الذي يسعى إلى المحتاجين ويمشي في حاجاتهم، كما كان يطوف في طول البلاد وعرضها لإصلاح ذات البين وينفق من ماله الخاص ليجمع الشمل ويرأب الصدع.

يعرف حمزة محمد عالم عمدة حي الشبيكة بأنه أحد عمد مدينة مكة المكرمة القدماء، الذي ولد في حي الشبيكة عام 1339هـ، ونشأ وترعرع فيها وتلقى تعليمه في مدرسة الفلاح، حيث حصل على شهادة الابتدائية عام 1350هـ.

وفي ريعان شبابه كانت لديه عربات كارو تستخدم حينها لنقل الحجيج، وكان يولي عليها أناسا، لكنه سرعان ما ترك عمله في العربات وفتح دكانا صغيرا ليبيع فيه السوبيا والمرطبات، وفي 1378هـ عين عمدة لحي الشبيكة، حيث كان عمره (40 عاما)، وكان راتبه آنذاك لا يتعدى الـ300 ريال، حيث رشحه أعيان الحارة لهذا المنصب، ومنهم الشيخ حامد أزهر والشيخ عبدالله عابد، وهذان كان لهما الفضل في توليه العمودية، لأنه حظي بمكانة اجتماعية رفيعة في أوساط المجتمع المكي، حيث عرف عنه تدينه وأنه كان عاقلا حكيما حليما محبا للخير لبقا في كلامه.

طلال الحساني أحد رجالات مكة البارزين والمعاصرين، وهو عمدة حي جرول والتيسير، تأثر بجده محمد بن عبدالله حياة الذي كان عمدة لحي جرول، والذي يضم عددا من الأحياء الكبيرة (حارة العتيبية، الزاهر، الزهراء، الهنداوية الطندباوي، النزهة).

وبعد وفاة الجد محمد حياة رشح حسن بن عمر حياة عمدة لحارة جرول لعشر سنوات وبعدها توالى على عمودية جرول عدد من العمد، منهم حمود الحازمي وطلال الحساني الذي في عهده جرى تقسيم حارة جرول إلى عدد من الأحياء، لكل حارة عمدة مسؤول عنها.

أما العمدة فهد الصقعبي فقد جمع في شخصيته بين العمل في ديوان إمارة منطقة مكة المكرمة والتدريس والتجارة، قبل أن ينتهي به الحال ليتم تعيينه عمدة لحي العزيزية الغربية، وكان هذا آخر مشواره الوظيفي. من الأحداث التاريخية التي عاصرها في حياته حادثة جهيمان.

فكر هندسي

ويعد عبدالرحمن حجازي أحد الأسماء التي ساهمت في صناعة الأغنية في مراحل التأسيس منذ نحو 60 عاما، فكان شاعرا بامتياز، لكنه كان اسما فاعلا أيضا في العمل الاجتماعي، فكان مثال العمدة الحقيقي الذي وضع نصب عينيه حل مشكلات الناس وإنهاءها بسلام.

محمد الحربي عمدة حي السلامة من العمد البارزين على مستوى مكة المكرمة، فقد عرف واشتهر بأنه عمدة بفكر المهندس المدني، فقد تعلم خلال فترة عموديته في حارة الزهور التي يقطنها أكثر من 5000 نسمة من الجاليات الأفريقية، التي تسكن في سفوح الجبال وداخل الشعاب والعشوائيات التي تشكل خطرا داهما وتشغل عددا من الجهات الرسمية، الأمر الذي كان له وقعه على شخصيته، فكان مؤمنا بأن التخطيط الهندسي للتجمعات البشرية والإدارية سد منيع ضد الجريمة، ومظلة آمنة لتحقيق الأمن والاستقرار، وجسر موصل لتحقيق أهداف التنمية.

عبدالكريم حبيب العباسي عمدة «محلة الرصيفة» أحد كبار أعيان مكة المكرمة ووجهائها، حصل على نوط الأمن بأمر من وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز، اشتهر دائما بأنه صاحب الكلمة النافذة بين أوساط مجتمعه المكي والمحيط الذي يعيش فيه، فكان حاضرا في الصفوف الأولى فيما يعرف بـ»إصلاح ذات البين» بين الناس، فكان جرئيا في طرحه حاضر الذاكرة وسريع البديهة أهلته تلك الصفات للتصدر والقبول بين الناس.

ويعد حبيب أصغر شخصية تتسنم منصب «العمدة» على نطاق أحياء مكة المكرمة، حيث تقلد منصب عمدة «محلة الرصيفة» أو «حي الرصيفة» قبل إزالة معالم المنطقة ضمن حالة التطور التي تشهدها مكة في الفترة الأخيرة، وكان عمره لا يتجاوز آنذاك الـ(33 عاما)، كما تسلم بالتكليف عمدة أحياء أخرى بمكة المكرمة.

على الصعيد الاجتماعي أسس دار الصلح ودار العرف بمكة ورعى الكثير من المناسبات الاجتماعية فيهما، اشتهر مجلسه بإصلاح ذات البين، حيث كانت تقصده الكثير من العائلات والقبائل الحجازية ليكون «حكما عدلا» بينهم، خاصة في قضايا «الدم» ومن حكم عليه بالقصاص، وليلح على «أصحاب الحق» بالتنازل والعفو عن تنفيذ الحكم بحق الخصم.

كاريزما جاذبة

ونظرا لما يتمتع به حبيب من «كاريزيما جاذبة»، فقد خطف أضواء المجتمع الحجازي العريق المعروف بتقديره لرموزه ووجهائه، والذي رأى فيه مجتمعه ومحيطه بأنه شخصية محبة لخدمة الناس وقريبا من طريقة تفكيرهم وهموهم وآلامهم ويشعر بفقيرهم قبل غنيهم، ونتيجة لذلك فقد كتب عنه الكثير من الكتاب والمؤرخين، ويأتي على رأسهم الكاتب الصحفي عبدالرحمن عمر خياط.

كانت تربطه علاقة قوية بالأمير الراحل ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة الأسبق، والأمير سعود بن عبدالمحسن الذي كان مستشارا خاصا للملك سلمان بن عبدالعزيز، والذي شغل بدوره سابقا منصب نائب أمير منطقة مكة المكرمة حتى 2000م.

كما ارتبط حبيب بعلاقات ودية مع وزير الداخلية الأسبق الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز، وعلاقات أخرى بالأمير أحمد بن عبدالعزيز الذي شغل بدوره منصب وزير الداخلية لفترة قصيرة في 2012م.

شخصية الرجل الديناميكية أكسبته حضورا رفيعا وواسعا بين الأوساط الاجتماعية والسياسية، خاصة المجتمع المكي والحجازي، ونظرا للعلاقات المميزة والودية مع المسؤولين والأمراء، فكان يتردد على مجلسه العامر أمير منطقة مكة المكرمة ماجد بن عبدالعزيز، ونائبه آنذاك سعود بن عبدالمحسن.

صفات ومميزات

إضافة إلى ذلك كان الرجل قريبا من الشخصيات المكية وحاضرا بقوة في وسطهم، فقد كان ينزل الناس منازلهم، فاشتهر بتكريم الشخصيات المكية، كما عمد الآخرون إلى تكريمه وإنزاله منزلته الخاصة التي يستحقها، وقد حظي بتكريم أهالي حي الرصيفة الذي كان أول عمدة له تقديرا لحضوره ونشاطه الفاعل، قبل أن يتوسع الحي ويضم بين جنباته أحياء أخرى (الحمراء، النزهة، الغربية، الخالدية، الملك فهد).

كلف الرجل أيضا ليكون عمدة لأحياء أخرى مشهورة بمكة المكرمة، منها أحياء (الطندباوي، النزهة، الزهراء)، وهذا نابع بطبيعة الحال لثقة المسؤولين بشخصيته التي اشتهرت بصدقها وأمانتها في تعاملها مع المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه، فقد كان فاعلا وحاضرا بقوة بين أوساطهم.

كل هذه الصفات والمميزات دفعت بالمسؤولين وصناع القرار بتكليفه لتقلد عضوية عدد من اللجان الأمنية والاجتماعية، ونظرا لحالة القرب والثقة التي كان يتمتع بها، فقد رفع حبيب مبادرات ومقترحات لوزارة الداخلية، وحصل على إثرها على ثقة وزير الداخلية الأمير نايف ونائبه.

علاوة على ذلك فإن على الرغم من اشتهار الرجل وقربه من دوائر صناع القرار ومن الحالة المجتمعية، إلا أنه كان نجما حاضرا وبقوة على الشاشة، وضيفا بشكل شبه دوري على أربعة برامج مهمة يأتي على رأسها برنامج «مكة المكان والإنسان» الذي عرض على قناة «الإخبارية السعودية» وهو برنامج يعرض تاريخ مكة المكرمة.

وبرنامج آخر حول الموروث الشعبي الذي عرض على شاشة «القناة السعودية»، والذي بدوره يستضيف المهتمين بالموروث الشعبي خاصة من كبار السن، فكان من ضمنهم العمدة عبدالكريم حبيب.

كما كان ضيفا دوريا على برامج تلفزيونية أخرى، منها برنامج «شرفات» الذي عرض عبر القناة «الثقافية» السعودية، إضافة إلى مشاركته في برنامجين مشهورين وهما «صباح القناة الثقافية» و»صباح القناة السعودية».

كما لم يغفل حبيب عن إيجاد مكان له في الوسط الصحفي، فكتب عشرات المقالات الاجتماعية والسياسية في أشهر الصحف السعودية البارزة، منها «عكاظ» و»المدينة» و»الندوة».