متلازمة رشدي والمرشد
الخميس - 12 نوفمبر 2020
Thu - 12 Nov 2020
أصدر الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي روايته آيات شيطانية، التي اعتدت على الرموز والمقدسات الإسلامية عام 1988، وباستثناء بعض المظاهرات من مسلمي الهند وبريطانيا، لم تحظ الرواية بأي ردة فعل تستحق الذكر، بل إنها دخلت في طور النسيان وبدأت بعض المكتبات برفعها من الرفوف، لاستبدالها بروايات أخرى أكثر ربحية. لكن بعد سنة من إطلاق الرواية قرر الخميني مرشد «الثورة الإيرانية» إصدار فتوى بتكفير الكاتب، بل وإهدار دمه، وحث المسلمين على قتل الكاتب والمترجم وصاحب دار النشر.
هذه الفتوى أعادت الحياة إلى رواية رشدي، وبسببها أصبحت الرواية واحدة من أكثر الكتب مبيعا في تاريخ الأدب الحديث.
بعيدا عن رأي النقاد الفني في الرواية، إلا أنها ولدت مشوهة مريضة، وكان مصيرها الموت لا محالة، إلا أن فتوى الخميني الذي أراد أن يكون البطل وحامي حِمى الإسلام والمدافع الأول عنه، جعلت من سلمان رشدي بطلا عالميا، وجعلت دور النشر تتسابق على طباعة كتبه والصحف تتنافس على نشر أخباره، والمجلات تتبارى في تسويق مؤلفاته، هذه الفتوى جعلت الناس يتساءلون بلهفة عن مضمون هذا الكتاب. ولم يكن غريبا أن سلمان رشدي ركب الموجة، بل ركب الأمواج كلها، وأصبح ضحية حرية الرأي والمدافع الأول عن حرية التعبير.
الحقيقة أن الدفاع عن الإسلام لم يكن الهم الأول للخميني عندما أصدر فتواه، وكذلك لم تكن حرية التعبير هي أكبر أهداف رشدي عندما نشر روايته، بل الحقيقة أن كلا منهما كان يبحث عن الآخر، وكل منهما لا يمكن أن ينجح دون الآخر، كل منهما كان يبحث عن عدو، يبحث عن شماعة يعلق عليها أخطاءه، كل منهما (فرد ودولة) يبحث عن طريق مختصرة للنجاح، عبر خلق عدو وهمي يمكن من خلاله تبرير كل الأخطاء، وطلب كل التسهيلات والمميزات التي تخوله للقضاء على هذا العدو، فمن غير المنطقي أن ينتزع أحدهم لقمة من فم طفل بائس مسكين من غير سبب حقيقي وجوهري، لكن من السهولة بمكان أن تختطف هذه اللقمة من فم المسكين إن كان ذلك «دفاعا عن الإسلام والمسلمين».
سياسة خلق عدو وهمي سياسة قديمة، لكنها متجدده. صدام خلق عدوا إيرانيا ثم أتبعه بعدو كويتي وخليجيأ ومن ثم أصبح الغرب والإمبريالية ألد أعداء العراق تحت قيادة صدام. الولايات المتحدة الأمريكية نفسها شعرت بفراغ بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لذلك أوجدت القاعدة ثم (محور الشر) العراق وإيران وكوريا الشمالية ثم سوريا ثم داعش.
يقول جورج سيميل (عالم الاجتماع): لا يوجد شيء يوحد الأمة أو مجموعة من الناس مثل وجود عدو مشترك. لذلك فإن صناعة العدو (المشترك) أصبحت تخصص بعض الأشخاص والقادة، فهم لا يستطيعون العيش دون هذا العدو، حتى لو اضطروا اضطرارا لخلقه من العدم.
إن العدو ميزة وغطاء يعيش تحته كثير من الأشخاص والمنظمات والدول، ولن يستطيعوا الاستمرار دون وجود هذا العدو (الوهمي) أو الحقيقي أحيانا، وجود العدو يمثل ضمانا للمستقبل ويقينا للوحدة، ويحشد الأفراد الذين سيكونون مستعدين لتقديم أكبر التضحيات أمام هذا العدو.
هذا النوع لا يوجد أسوأ بالنسبة لهم من حرمانهم العدو. يقول ألكسندر أرباتوف المستشار الديبلوماسي لميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفياتي، مخاطبا الغرب والولايات المتحدة الأمريكية «سنقدم لكم أسوأ خدمة، سنحرمكم العدو».
SMAlanzi@
هذه الفتوى أعادت الحياة إلى رواية رشدي، وبسببها أصبحت الرواية واحدة من أكثر الكتب مبيعا في تاريخ الأدب الحديث.
بعيدا عن رأي النقاد الفني في الرواية، إلا أنها ولدت مشوهة مريضة، وكان مصيرها الموت لا محالة، إلا أن فتوى الخميني الذي أراد أن يكون البطل وحامي حِمى الإسلام والمدافع الأول عنه، جعلت من سلمان رشدي بطلا عالميا، وجعلت دور النشر تتسابق على طباعة كتبه والصحف تتنافس على نشر أخباره، والمجلات تتبارى في تسويق مؤلفاته، هذه الفتوى جعلت الناس يتساءلون بلهفة عن مضمون هذا الكتاب. ولم يكن غريبا أن سلمان رشدي ركب الموجة، بل ركب الأمواج كلها، وأصبح ضحية حرية الرأي والمدافع الأول عن حرية التعبير.
الحقيقة أن الدفاع عن الإسلام لم يكن الهم الأول للخميني عندما أصدر فتواه، وكذلك لم تكن حرية التعبير هي أكبر أهداف رشدي عندما نشر روايته، بل الحقيقة أن كلا منهما كان يبحث عن الآخر، وكل منهما لا يمكن أن ينجح دون الآخر، كل منهما كان يبحث عن عدو، يبحث عن شماعة يعلق عليها أخطاءه، كل منهما (فرد ودولة) يبحث عن طريق مختصرة للنجاح، عبر خلق عدو وهمي يمكن من خلاله تبرير كل الأخطاء، وطلب كل التسهيلات والمميزات التي تخوله للقضاء على هذا العدو، فمن غير المنطقي أن ينتزع أحدهم لقمة من فم طفل بائس مسكين من غير سبب حقيقي وجوهري، لكن من السهولة بمكان أن تختطف هذه اللقمة من فم المسكين إن كان ذلك «دفاعا عن الإسلام والمسلمين».
سياسة خلق عدو وهمي سياسة قديمة، لكنها متجدده. صدام خلق عدوا إيرانيا ثم أتبعه بعدو كويتي وخليجيأ ومن ثم أصبح الغرب والإمبريالية ألد أعداء العراق تحت قيادة صدام. الولايات المتحدة الأمريكية نفسها شعرت بفراغ بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لذلك أوجدت القاعدة ثم (محور الشر) العراق وإيران وكوريا الشمالية ثم سوريا ثم داعش.
يقول جورج سيميل (عالم الاجتماع): لا يوجد شيء يوحد الأمة أو مجموعة من الناس مثل وجود عدو مشترك. لذلك فإن صناعة العدو (المشترك) أصبحت تخصص بعض الأشخاص والقادة، فهم لا يستطيعون العيش دون هذا العدو، حتى لو اضطروا اضطرارا لخلقه من العدم.
إن العدو ميزة وغطاء يعيش تحته كثير من الأشخاص والمنظمات والدول، ولن يستطيعوا الاستمرار دون وجود هذا العدو (الوهمي) أو الحقيقي أحيانا، وجود العدو يمثل ضمانا للمستقبل ويقينا للوحدة، ويحشد الأفراد الذين سيكونون مستعدين لتقديم أكبر التضحيات أمام هذا العدو.
هذا النوع لا يوجد أسوأ بالنسبة لهم من حرمانهم العدو. يقول ألكسندر أرباتوف المستشار الديبلوماسي لميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفياتي، مخاطبا الغرب والولايات المتحدة الأمريكية «سنقدم لكم أسوأ خدمة، سنحرمكم العدو».
SMAlanzi@