نمر السحيمي

الأفكار المخالفة للوسطية والجامعات

الاحد - 08 نوفمبر 2020

Sun - 08 Nov 2020

يعج عالمنا العربي والإسلامي بأفكار شتى، يتعارض كثير منها مع وسطية الإسلام وسماحته، مما أثر في كثير في مجتمعات الدعوة، سواء في الداخل العربي والإسلامي أو في المجتمع الإنساني ككل.

وتأتـي الأفكار المخالفة للإسلام الوسطي في نشأتها من شخصيات تتبنى هذه الأفكار وتتقمصها وتكتب عنها، ليلتف حولها المريدون لتناقلها عبر الأجيال، حتى تثبت مذهبا أو تبقى أفكارا يؤمن بها آخرون ممن راقت لهم، لتكون جزءا من عقيدتهم وثقافتهم.

والمتتبع للأفكار المخالفة لديننا الإسلامي الوسطي يجد كثيرا منها مختفيا في مجتمعاتنا، وربما لا يستطيع مجهر المتتبع أن يرصدها إلا من خلال قراءة تطبيقات الواقع الفكري والعلمي المعاش، وهذه القراءة لا يمكن أن تتم إلا من باحث متخصص يعلم التأصيل الصحيح لمنهج التعليم الإسلامي الوسطي الذي تسعى له المملكة، ثم يعلم ما يضاده من فكر منحرف ينخر في أساساته وبنيانه إن وجد منه ولو سوسة واحدة، فضلا على أن يتعدد هذا السوس.

ومن تلك الأفكار المخالفة لوسطية الإسلام فكر حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، فمارست هذه الجماعة تطبيقات فكره وثقافته التي تتعارض مع وسطية الإسلام ونهجه القويم في مجال الدعوة.

ونظرا لتسلل هذه الجماعة في الأوساط العلمية العربية والإسلامية، سرعان ما انتشر فكرها، فنشأت جماعات أخرى تحمل فكر الإخوان في عديد من الدول، حتى وصلت إلى 72 دولة تقريبا، تضم كل الدول العربية، ودولا إسلامية وغير إسلامية.

وقد تأثر بفكر هذه الجماعة كثير من المفكرين والمثقفين من العرب والمسلمين، وكانت سمة التطرف هي الغالبة على كل من يحمل هذا الفكر، وهي سمة تخالف المنهج الإسلامي الوسطي، لذا وجب على كل مسلم الحذر والتحذير منها، لخلق مجتمعات إسلامية آمنة مستقرة تدعو إلى دين ربها على بصيرة.

وكنموذج واحد ممن تأثروا بطريقة الإخوان وكان له كثير من المريدين ممن اعتبروه القدوة، فكتبوا عنه وتقمصوا فكره وثقافته، شخصية شيخ الثوار عبدالله الحكيمي، المفكر والثائر والحركي اليمني،

حيث انتهج الحكيمي طريقة الإخوان المسلمين وتواصل معهم، إلى جانب ذلك كان الحكيمي صوفيا حتى وصل إلى صاحب طريقة صوفية خاصة، ويعتبر من كتبوا عنه أن تصوفه يعد امتدادا لحركات التصوف الجهادي.

وبلفت النظر عن القضايا التي صنعت الحكيمي حركيا ثوريا وصوفيا جهاديا، تظل هذه المصطلحات وتطبيقاتها مخالفة للمنهج الإسلامي الوسطي مهما حاول البعض التقليل من أثرها السلبي في التعليم الإسلامي المبني على الوسطية والسماحة.

ويكفي للدلالة على الفكر الجهادي والنهج الثوري للحكيمي الاطلاع على كتابه الثالث (دعوة الأحرار) الذي وصفته إحدى الباحثات بأنه «عصارة الفكر الجهادي وخلاصة الحس الثوري الذي يتمتع به الحكيمي».

وقد تضمن هذا الكتاب إلصاق الحركات الثورية بمناهج الرسل والأنبياء عليهم السلام، في محاولة لتأصيل هذا النهج وتضليل الناشئة، وهو خطير جدا لو وجد هذا النهج نافذة يصل من خلالها إلى تعليمنا، تقول إحدى الباحثات: لقد أكد كتاب الحكيمي «دعوة الأحرار» على ضرورة المقاومة وضرورة التأسي والاقتداء بالأنبياء الذين هم قادة الثورات، ومتابعة مواقفهم الثورية، فهم من أوائل من قام بالثورات واحدا تلو الآخر.

ولخطورة فكر الحكيمي من الجهتين الثورية الحركية والصوفية الجهادية، كان لا بد من أن تحذر من فكره كل دولة ذات مجتمع آمن وعقيدة صافية، فالفكر الثوري الحركي الذي تحركه الأحزاب السياسية مرفوض هو وأحزابه في المنهج الإسلامي الوسطي، كما أن الفكر الصوفي الجهادي مرفوض أيضا في نهج الإسلام الذي لا يجبر أحدا على ترك مذهبه أو دينه، لكنه يقف أمام كل من يشوه صورته الوسطية الصديقة لكل البشرية.

من هنا تأتي مهمة جامعاتنا واضحة جلية في الوقوف بحزم أمام كل نهج يخالف نهج ديننا الإسلامي الوسطي الذي تمسكت به المملكة منذ تأسيسها، فكانت كالقمر ليلة البدر بين دول العالم بسبب نور الوسطية والتسامح.

لذا من واجب المواطن أن يعلق الجرس حين يتأكد من وجود ضرر ستتأثر به بلاده ومواطنوه، وبالطريقة التي تضمن ذهاب هذا الضرر والقضاء عليه.

إن الأفكار المخالفة لنهج ديننا الوسطي إن وجدت في (بعض) جامعاتنا؛ لمن الأهمية بمكان أن يُحذّر منها، حرصا على مملكتنا الآمنة ونهجها السوي، وحفاظا على أبنائنا وبناتنا في الجامعات.

وإنني وعبر سلسلة كتاباتي في هذا الموضوع، أتمنى أن تبحث وزارة تعليمنا عن أي فكر مخالف للإسلام الوسطي في جامعاتنا، فالوطن أمانة في أعناقنا، مسؤولين ومواطنين، ولا مجاملة في أمنه ولا مزايدة على الدفاع عنه.

وإن رؤية المملكة 2030 توجب علينا أن نتكاتف ونتعاون ضد كل فكر يخالف فكرنا الجمعي الأصيل، المستمد من ديننا الوسطي السمح الذي يجعلنا كالجسد الواحد، وولاة أمرنا كالقلب النابض في هذا الجسد.

@alsuhaimi_ksa