فهد الحازمي

عن حادث سيارة الأول من نوعه

الاثنين - 11 يوليو 2016

Mon - 11 Jul 2016

شهد الأسبوع الماضي حدثا فريدا يفرض العديد من التحديات التقنية والفلسفية والأخلاقية والتشريعية. وهو أول حادث مريع لسيارات ذاتية القيادة التي تنتجها شركة «تسلا» في الولايات المتحدة الأمريكية نتج عنه وفاة قائد المركبة. سبب الحادث كان أن أنظمة تحسس السيارة لم تتمكن من التفريق بين لون شاحنة مجاورة على وشك قطع الطريق بالتعامد مع مسار السيارة وبين لون السماء، مما نتج عنه عدم التقاط السيارة لوجود الشاحنة، وبالتالي عدم تخفيض السرعة والارتطام بالشاحنة.

الحادثة أثارت مختلف ردود الفعل الرسمية والعامة. إدارة أمن الطرق السريعة في الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت عن مراجعتها لأداء نظام «القائد الآلي» في سيارات «تسلا»، والذي كان السبب الرئيس في الحادث. بعد هذه المراجعة يتوقع أن تصدر لائحة من التنظيمات واللوائح التي تنظم عمل السيارات ذاتية القيادة جنبا إلى جنب مع السيارات الأخرى. وأما «تسلا» فقد أعلنت عن أسفها لهذه الخسارة، وذكرت أن نظام «القائد الآلي» معطل افتراضيا وأنه في مرحلة التجربة حاليا، كما ذكرت عن التحذيرات المعروضة للسائقين حين تفعيل الخدمة كإبقاء الأيدي على المقود والاستعداد للتدخل في أي لحظة وما إلى ذلك.

وردت على إحدى المقالات الناقدة لها بالحديث عن أن الحوادث المميتة لا مفر منها، لكن نسبتها مقابل المسافات الشائعة التي قطعتها سيارات «تسلا» ذاتية القيادة ضئيلة للغاية. شركة «تسلا» تصر على أن الخطأ طبيعي، وأنه لم يكن بحال تجاوز هذا الخطأ برمجيا، وهنا بالضبط تأتي أهمية تأكيدهم للسائقين على وضع اليدين على المقود والانتباه للسيارات المحيطة حتى يستعيدوا السيطرة في حالات الطوارئ.

أما ردة الفعل العامة فقد تنوعت بين مؤيد ومعارض. أسهم «تسلا» نفسها ارتفعت بعد إعلان إدارة أمن الطرق السريعة في أمريكا مراجعتها لأداء نظام «القائد الآلي»! المتفائلون كذلك يزعمون أن هذه الحوادث القاتلة مهمة للتعلم من الأخطاء، وأنه لا مفر منها مهما كان النظام محكما. أما المنتقدون فقد أعادوا تحذيراتهم من سيطرة الذكاء الصناعي والتقنيات الحديثة على حياتنا اليومية لأننا

لا نعرف عواقبها البعيدة بعد. إحدى هذه العواقب ستكون في إعادة الاعتبار لكثير من الأسئلة الأخلاقية والفلسفية والتي تتولى مهمة حسمها شركات التقنية التي تتولى تصنيع مثل هذه السيارات. على سبيل المثال، كيف نحدد المخطئ ونسبة الخطأ في مثل هذه الحوادث التي تكون السيارات ذاتية القيادة أحد أطرافها؟ ومن يتحمل المسؤولية في هذه الحالة، هل يتحملها قائد المركبة رغم أنه ليس له أي دخل في قيادة السيارة أم تتحملها الشركات التقنية التي تولت كتابة الأكواد البرمجية التي تسير السيارة على أساسها؟ وحين تسير سيارات ذاتية القيادة في الطرق السريعة واضطرت لاتخاذ قرارات سريعة قد يكون لها عواقب وخيمة فمن يتولى تصميم عملية اتخاذ القرار هذه وعلى أي أساس يمكن محاسبته؟ طائفة الأسئلة الأخلاقية والفلسفية التي تفرضها تقنية سيارات ذاتية القيادة لا تكاد تنتهي.

ولكن ما هو الدافع الرئيسي الذي يدفع الشركات للمضي قدما نحو مشروع السيارات ذاتية القيادة من الأساس؟ الإجابة الأهم تبدأ من عدد الحوادث القاتلة. ففي أمريكا مثلا، تشكل الأخطاء البشرية ما نسبته %94 من الوفيات المرورية مع وجود 35,000 حالة وفاة كل عام. بلدنا الغالي يحتل المرتبة الأولى في وفيات حوادث الطرق لكل مئة ألف نسمة، ويتساءل المرء في لحظات التفكير الفارهة إن كان وجود السيارات ذاتية القيادة سيخفف من الأزمة أم يفاقمها. قد يبدو هذا التفكير حالما للغاية ولكن السيارات ذاتية القيادة كانت حلما فارها قبل سنين قليلة فقط.