الكابتن جزاع الشمري
الأربعاء - 04 نوفمبر 2020
Wed - 04 Nov 2020
ثمة فرق في مفهوم التواضع بين شخصية تتواضع وأخرى متواضعة كصفة أصيلة في النفس، يتجسد - أمام ناظري - هذا المعنى للتواضع عند الالتقاء بالكابتن جزاع بن غانم الشمري حفظه الله وأطال في عمره.
رجل بمعنى الكلمة لم تغيره المناصب ولا العلاقات، ذلك البدوي البسيط البشوش في ظاهره، الذي إذا صعد على ميزان الرجال كسره. بدأ الكابتن جزاع مسيرته في الطيران والخطوط السعودية عام 1960 بعد أن ترك العمل في أرامكو يوم الخميس، ليصعد الطائرة لأول مرة في حياته في اليوم التالي - الجمعة - متوجها من الظهران إلى جدة، في رحلة غير مباشرة تتوقف في الرياض بطائرة من نوع «كونفير 340».
سير الرجال بكل تأكيد لا تنصفها المقالات ولا الكتب أحيانا، لذا فإنني لن أخوض في سيرة هذا الرجل العظيم، وسوف أكتفي بأن أسلط الضوء على اثنتين من مآثره وحسب. الأولى «سعودة الطيارين» التي كان التاريخ - وسوف يظل - يسجلها للكابتن جزاع، والثانية مهارة واحترافية الطيار السعودي.
لمست من خلال حديثي مع بعض الطيارين ومع الكابتن جزاع، أن العارف بأبي عارف لا بد أن يذكر دوره في سعودة ملاحي مقصورة القيادة، ومن ناحية أخرى أجد نفسي ألمس حماس أبي عارف وسعادته عند الحديث عن أي طيار سعودي، فهو يروي قصص الطيارين من أبناء الوطن بكل فخر واعتزاز وكأنه يتحدث عن بطولات أبنائه.
غادر الكابتن جزاع إلى نيويورك لدراسة التخطيط الاستراتيجي في جامعة كولومبيا، وعندما طُلب من المتدربين أن يقدم كل منهم مشروعه، اختار أبو عارف «سعودة الطيارين» عنوانا لمشروعه، وهو المشروع الذي لم يغب عن نظره بعد ذلك، بل صار قضيته وشغله الشاغل. إنه الرجل المنصف الذي كان يُلح على إلغاء عقد شركة TWA التي كانت تدير الخطوط السعودية بطياريها وموظفيها - مطالبا بإحلال السعوديين محلهم، وبقي في الوقت نفسه حتى هذا اليوم شاكرا لتلك الشركة دورها ومقدرا ما قدمته.
الكابتن جزاع وبالأرقارم - وبعيدا عن السرد القصصي والعاطفي - استطاع أن يصعد بنسبة سعودة الطيارين من 28% إلى 85% يوم تقاعده وهو في منصب مساعد المدير العام للعمليات الجوية.
في السبعينات الميلادية غادر جزاع الشمري وعبدالعزيز الصمعان وصالح الغامدي ومحمد أبوعشي ومعيض الحمراني وأمين تميرك إلى أمريكا، وتحديدا إلى مصنع لوكهيدمارتن لإجراء الاختبارات على طائرة ترايستار قبل استلامها. وفي اليوم الأول فاجأ الفريق السعودي المصنع بـ 200 ملاحظة على الطائرة الجديدة، وفي اليوم التالي وأثناء الإقلاع والهبوط اكتشف الفريق بقيادة العارف بالطائرات أبي عارف مشكلة في أحد قوائم الطائرة Landing gear، حاول خبراء المصنع إصلاح المشكلة لكنها ظلت على حالها، وأصر الكابتن جزاع على أن المشكلة لم تحل رغم ما قام به الخبراء، وأكد ضرورة حلها، رافضا استلام الطائرة قبل إصلاح الخلل، والتفت إلى زملائه السعوديين قائلا «اللاندينج قير.. به بلى).
أدخلت الطائرة إلى هنجر الصيانة لتسليط الأشعة على موضع المشكلة، وأظهرت النتيجة أن أبا عارف كان محقا هو وفريقه، لقد ظهر كسر «شُعر» في جزء معين من الـ «Landing gear» وتم استبداله لاحقا. عاد الفريق إلى جدة وقد سبقهم خطاب أرسل من مصنع لوكهيدمارتن إلى معالي الشيخ كامل سندي مفاده «لقد أرسلتم لنا مهندسين وليس طيارين».
تعرفت سماء المملكة على أبي عارف قبل أن تتعرف عليه أرضها، قاد الطائرة قبل أن يجلس خلف مقود السيارة، أقلع وهبط في مطارات ترابية، كان الغبار ودخان (الكفرات) يدله على اتجاه الرياح، الكابتن الذي أمسك خرطوش الوقود بيده ونام في العراء بجوار طائرته.
«شف يا عبدالله: حِنا يا الطيارين السعوديين، جوازاتنا دائما في جيوبنا وبدلنا مغسلة في شنطة السيارة، يوم يجينا الطلب نقول تم، كم منا ماتت والدته أو جاء له ولد وهو خارج المملكة، في رحلة أو في مهمة وطنية».
@ALSHAHRANI_1400
رجل بمعنى الكلمة لم تغيره المناصب ولا العلاقات، ذلك البدوي البسيط البشوش في ظاهره، الذي إذا صعد على ميزان الرجال كسره. بدأ الكابتن جزاع مسيرته في الطيران والخطوط السعودية عام 1960 بعد أن ترك العمل في أرامكو يوم الخميس، ليصعد الطائرة لأول مرة في حياته في اليوم التالي - الجمعة - متوجها من الظهران إلى جدة، في رحلة غير مباشرة تتوقف في الرياض بطائرة من نوع «كونفير 340».
سير الرجال بكل تأكيد لا تنصفها المقالات ولا الكتب أحيانا، لذا فإنني لن أخوض في سيرة هذا الرجل العظيم، وسوف أكتفي بأن أسلط الضوء على اثنتين من مآثره وحسب. الأولى «سعودة الطيارين» التي كان التاريخ - وسوف يظل - يسجلها للكابتن جزاع، والثانية مهارة واحترافية الطيار السعودي.
لمست من خلال حديثي مع بعض الطيارين ومع الكابتن جزاع، أن العارف بأبي عارف لا بد أن يذكر دوره في سعودة ملاحي مقصورة القيادة، ومن ناحية أخرى أجد نفسي ألمس حماس أبي عارف وسعادته عند الحديث عن أي طيار سعودي، فهو يروي قصص الطيارين من أبناء الوطن بكل فخر واعتزاز وكأنه يتحدث عن بطولات أبنائه.
غادر الكابتن جزاع إلى نيويورك لدراسة التخطيط الاستراتيجي في جامعة كولومبيا، وعندما طُلب من المتدربين أن يقدم كل منهم مشروعه، اختار أبو عارف «سعودة الطيارين» عنوانا لمشروعه، وهو المشروع الذي لم يغب عن نظره بعد ذلك، بل صار قضيته وشغله الشاغل. إنه الرجل المنصف الذي كان يُلح على إلغاء عقد شركة TWA التي كانت تدير الخطوط السعودية بطياريها وموظفيها - مطالبا بإحلال السعوديين محلهم، وبقي في الوقت نفسه حتى هذا اليوم شاكرا لتلك الشركة دورها ومقدرا ما قدمته.
الكابتن جزاع وبالأرقارم - وبعيدا عن السرد القصصي والعاطفي - استطاع أن يصعد بنسبة سعودة الطيارين من 28% إلى 85% يوم تقاعده وهو في منصب مساعد المدير العام للعمليات الجوية.
في السبعينات الميلادية غادر جزاع الشمري وعبدالعزيز الصمعان وصالح الغامدي ومحمد أبوعشي ومعيض الحمراني وأمين تميرك إلى أمريكا، وتحديدا إلى مصنع لوكهيدمارتن لإجراء الاختبارات على طائرة ترايستار قبل استلامها. وفي اليوم الأول فاجأ الفريق السعودي المصنع بـ 200 ملاحظة على الطائرة الجديدة، وفي اليوم التالي وأثناء الإقلاع والهبوط اكتشف الفريق بقيادة العارف بالطائرات أبي عارف مشكلة في أحد قوائم الطائرة Landing gear، حاول خبراء المصنع إصلاح المشكلة لكنها ظلت على حالها، وأصر الكابتن جزاع على أن المشكلة لم تحل رغم ما قام به الخبراء، وأكد ضرورة حلها، رافضا استلام الطائرة قبل إصلاح الخلل، والتفت إلى زملائه السعوديين قائلا «اللاندينج قير.. به بلى).
أدخلت الطائرة إلى هنجر الصيانة لتسليط الأشعة على موضع المشكلة، وأظهرت النتيجة أن أبا عارف كان محقا هو وفريقه، لقد ظهر كسر «شُعر» في جزء معين من الـ «Landing gear» وتم استبداله لاحقا. عاد الفريق إلى جدة وقد سبقهم خطاب أرسل من مصنع لوكهيدمارتن إلى معالي الشيخ كامل سندي مفاده «لقد أرسلتم لنا مهندسين وليس طيارين».
تعرفت سماء المملكة على أبي عارف قبل أن تتعرف عليه أرضها، قاد الطائرة قبل أن يجلس خلف مقود السيارة، أقلع وهبط في مطارات ترابية، كان الغبار ودخان (الكفرات) يدله على اتجاه الرياح، الكابتن الذي أمسك خرطوش الوقود بيده ونام في العراء بجوار طائرته.
«شف يا عبدالله: حِنا يا الطيارين السعوديين، جوازاتنا دائما في جيوبنا وبدلنا مغسلة في شنطة السيارة، يوم يجينا الطلب نقول تم، كم منا ماتت والدته أو جاء له ولد وهو خارج المملكة، في رحلة أو في مهمة وطنية».
@ALSHAHRANI_1400