محمد الأحمدي

برامج الدراسات العليا رافد تنموي

الثلاثاء - 20 أكتوبر 2020

Tue - 20 Oct 2020

منذ أن طُرحت رؤية المملكة في 2016م، التي شكلت المنطلقات التخطيطية الرئيسة في القطاعات المختلفة في المملكة، أتى التعليم أحد مستهدفات الرؤية التي تمثل جزء منها في برنامج التحول الوطني.

ومن أبرز أهداف برنامج التحول الوطني في التعليم تحسين وتطوير البيئة الإدارية، وتطوير الأنظمة والإجراءات، ورفع كفاءة الأداء وتفعيل التقنية في العمل. هذه الأهداف وإن توجهت بشكل مباشر للتعليم العام، فجدير ببرامج الدراسات العليا بالتعليم الجامعي أن تستفيد من التخطيط وإعداد ما يتوافق مع المتطلبات، رغم أن المؤمل أن تسابق المؤسسات الأكاديمية في صناعة التغيير، فهي ميدان ثري بالمفكرين الذين استثمرت فيهم الدولة طيلة العقود الماضية ليساهموا في التخطيط الاستراتيجي لمؤسساتهم الأكاديمية.

وخير شاهد على تعزيز دور التعليم هو قرار تعيين أعضاء مجلس الشورى في دورته الحالية، حيث نال الثقة الملكية 92 عضوا ممن يحملون درجة الدكتوراه، إضافة إلى 58 عضوا نالوا أعلى شهادات التعليمية في تخصصاتهم الهندسية والأمنية والطبية وغيرها، وهذا يؤكد عمق رؤية القيادة البعيدة في مساهمة التعليم في تنمية وتطوير أنظمة وتشريعات الدولة.

إن اعتقاد القيادة في أهمية التعليم العالي ودوره في رفع جودة الممارسات وبناء الخبرات وصناعة المعرفة، تحتم على مؤسسات التعليم العالي الحكومية والأهلية تجويد برامج الدراسات العليا، وربطها بمخرجات التنمية، وتحديثها بما يتلاءم مع معطيات التخطيط المستقبلي وليس الحالي، لمواجهة متطلبات الحياة الجديدة، للفئة الشابة في المملكة التي يشكل مجموع الفئات العمرية الملتحقة بالتعليم العام والعالي قرابة نصف التعداد السكاني للمملكة.

أخيرا، ظهر في تقرير هيئة تقويم التعليم والتدريب نسبة المعلمين الحاصلين على الماجستير والدكتوراه بـ 6% من إجمالي عدد المعلمين المقدر في إحصائية 2018م بـ 502,050 معلما ومعلمة، بواقع 230,868 معلما، و271,182 معلمة. وعند الأخذ بالاعتبار أرقام الموظفين الإداريين في التعليم العام البالغ عددهم 111,231 من الجنسين تزداد شريحة منتسبي التعليم إلى ما يزيد على 613,281 عند جمع الموظفين والمعلمين.

وهنا فجوة برامجية للبرامج الدراسات العليا لتساهم في رفع نسبة المعلمين والمعلمات الحاصلين على الدرجات العليا، ولكن هذه البرامج بحاجة لهيكلة جديدة، مراعية المدة الزمنية وآلية تنفيذها بما يتقاطع من متطلبات الوزارة وهيئة تقويم التعليم والتدريب في تحسين وتطوير ورفع جودة المعلم في المعرفة الأساسية، ومهارات التفكير: حل المشكلات، واتخاذ القرارات، ومهارات القيادة، والتواصل، والعمل ضمن الفريق، وغيرها. عند تأمل هذه المهارات فإن الأمر يستدعي برامج أكاديمية مختلفة عن الواقع الحالي في بعض المؤسسات.

ومن الأمثلة حتى يتحقق بناء ذلك استبدال الرسائل البحثية كمتطلبات لبرامج الماجستير بالمتطلبات البحثية المشتركة بين المعلمين، وإنشاء برامج للماجستير المهني، واستحداث برامج الدكتوراه بالنشر العلمي المتعدد، الذي يسهم في صناعة الباحث بشكل عام، أو المعلم الباحث بشكل خاص، وكذلك برامج الدكتوراه في التعليم التي تكون متطلباتها أقل من متطلبات الدكتوراه في الفلسفة، وتُربط هذه البرامج بدورة التخطيط العليا في المملكة بحيث تُطوّر مع كل دورة تخطيطية حتى تبقى برامج الدراسات العليا ذات فائدة تنموية للأجيال.

وبالعودة لأحدث إصدارات الهيئة العامة للإحصاءات لعام 2018 يتضح من بيانات طلبة التعليم العالي في الجامعات الحكومية والأهلية مساواة فرص التعليم في معظم البرامج التعليمية القائمة، ويظهر أيضا من الأرقام المقيدة لطلبة الدراسات العليا من الجامعات الحكومية لعام 2018 أن مجموع الطلبة بلغ 52,894 طالبا وطالبة، يقابله في التعليم الأهلي 4,129 طالبا وطالبة، وبإجمالي عام لجميع طلاب الدراسات العليا المقيدين في التعلم الحكومي والأهلي بـ 57,023 طالبا وطالبة، بواقع 29,744 للذكور، و27,279 للإناث. يظهر أن أرقام المقيدين بالدراسات العليا الحالية يتقارب مع أرقام أعضاء هيئة التدريس المقيدة في الإحصائية نفسها البالغ 69712 عضوا، وبتأمل الإحصاءات نجد طلبة البكالوريوس المقيدين في 2018م عددهم 1,279,219 طالبا وطالبة.

جميع المعطيات السابقة تشير إلى الحاجة للتوسع في برامج الدراسات العليا النوعية، شريطة أن يرتبط بالتخطيط المؤسسي المرن، الذي يتفق مع رؤية المملكة، ومتطلباتها في البرامج الأكاديمية في التخصصات المختلفة، وتحقيق متطلبات سوق العمل المحلي والإقليمي والعالمي.

alahmadim2010@