أحمد الهلالي

فخاخ الأفكار المسبقة والتنميط !

الثلاثاء - 13 أكتوبر 2020

Tue - 13 Oct 2020

التنميط هو مجموعة الصور التي تتشكل في أذهاننا عن ذواتنا وعن الآخر، وتنبني عليها نظرتنا أو مواقفنا وأحكامنا، فحين نقول لأبنائنا (نحن أفضل لأننا كذا/ والآخرون سيئون لأنهم ليسوا مثلنا) فإن هذه الصورة النمطية عن الذات تنمو مع الابن، فيرى ذاته أفضل/ ويرى الآخر أقل، ويظل هذا المعيار فاعلا في كل تعاملاته مع الآخرين، فيحزن إن عومل بأقل مما يستحق في نظره، ويشعر بتفضله على الآخر في بعض تعاملاته!

ذلك في الأساس التربوي للأبناء، أما على مستوى الحياة، فإننا أيضا نستقي تصورات إيجابية أو سلبية عن شخصيات أو فئات أو شعوب، حتى تتشكل صورة نمطية تحكم تعاملنا مع أولئك القوم، فمثلا حين تتشكل في أعماقك صورة نمطية بأن فلانا كثير المزح، ستكون أقل تحفظا معه، وربما تقع في إشكالات متعددة بسبب هذا التنميط لشخصيته، ومنها يقينك بأن يتقبل مزحك، وصعوبة تقبل موضوعاته الجادة، وهكذا، هذا على الجانب المسالم، لكن الخطورة تكمن في الجانب العنفي، حين تقودك تلك التنميطات إلى اتخاذ مواقف عنيفة تجاه الآخرين.

تقول الفنانة الأمريكية باربارا كروجر «إن معظم العنف الذي يقع بين البشر مرده إلى الأفكار الخاطئة والصور النمطية التي رسخت في أذهان بعضهم عن بعض» فتأملوا بعد هذه المقولة المضيئة هاتين الصورتين، وفعل التنميط في اتخاذ القرار العنيف ضد الأبرياء، وهما خبران حقيقيان، الأول: أن مسيحيا مصريا رفع صورة البابا شنودة في إحدى المدن الأمريكية عقب هجمات 11 سبتمبر فقتله مواطن أمريكي، ظانا أنه مسلم يرفع صورة أسامة بن لادن، وقد بنى ظنه الباطل على شكل الرجل الشرق أوسطي، ما صرفه عن تفاصيل صورة البابا، ومثل ذلك الخبر الثاني: فقد صرف اللون الأشقر (الأصهب) إرهابيا في السعودية عن إسلام أربعة فرنسيين فقتل منهم ثلاثة وأصاب الرابع بين المدينة المنورة وتبوك، ظنا منه بأنهم كفار حلال الدم حسب فكره الظلامي الضال، وهم مسلمون ينوي بعضهم التوجه إلى مكة المكرمة لأداء العمرة حسب الخبر المنشور.

تلك المقولة وتلكما الصورتان العنيفتان تشرح خطورة تنميط الآخرين، وتفتح أعيننا على أن الحالة لا تخص مجموعة بشرية دون أخرى، كما تحفزنا إلى ضرورة امتلاك الحدس الكافي لقراءة المواقف والمقامات الحالية في لحظتها، لأننا كثيرا ما نقع في فخاخ الأفكار والتصورات الخاطئة والتنميط حتى لشعوب كاملة، فنعامل أفرادها بناء على تلك التصورات التنميطية، كما أننا منمطون أيضا لديهم ويعاملوننا أحيانا وفق تلك التنميطات التي نعتبرها خاطئة في الأساس، والقارئ في غنى عن ضرب الأمثال عن هذه الحالات، لأنها أظهر وأوضح، وكم منا وقع ضحيتها، أو شعر بالحرج لأنه بنى حكما على أحدهم بناء على ذلك التنميط.

ahmad_helali@