عبدالحليم البراك

انتبه، إنهم يبيعون انتباهك

الاثنين - 12 أكتوبر 2020

Mon - 12 Oct 2020

ماذا لو قرر الناس يوما ما وبشكل جماعي أن يتوقفوا عن استخدام الهاتف الجوال؟ ما سيحدث ببساطة متناهية أن شركات الاتصالات ستهديك هاتفا مجانيا، وستجني قيمة الهاتف من تلك الشركات التي تريد أن تسرق انتباهك، سوف تدفع شركة سناب شات مقابل أن ترى مقاطع المشاهير، وستدفع شركة انستقرام تلك القيمة مقابل أن تشاهد سيل المقاطع فيها.

وإذا تركنا الأجهزة الذكية، فإن هناك ملايين الإعلانات في الشوارع والطرق لم تدفع لها مالا، كلها تهدف لشراء انتباهك، وكلما استطاع هؤلاء كسب انتباهك صرت أنت السلعة الحقيقية المخفية، وصار الآخر (المنتج والتاجر) مجرد شيء ثانوي، وهنا يبرز سؤال: ثم ماذا إذا صرت مُنتجا ما دمت لا أدفع مالا؟

ليست هنا المشكلة، الإشكالية هي دفع المستهلك لاستهلاك ما لا يريد أو اختيار علامة تجارية رديئة بسبب معلن ممتاز أعلن عنها، وليست هذه سلسلة المشاكل فحسب، فهي لا تنتهي في حرب سرقة انتباهك، بل أكثر من هذا، هم لا يبالون بسرق انتباه الأطفال وهم يفقدون مهاراتهم أمام الأجهزة الذكية، المهم أن يشتري نقاطا ودولارات من «الستور الرسمي»، ولا يهتمون لعدد الساعات التي يضيعها الأطفال أمام تلك الأجهزة، وذلك الوقت المسروق من التعليم والتربية والرياضات البدنية للجسد الصحي، مقابل أن يستلقي الطفل ساعات ليلعب لعبة فارغة إلا من إعلانات الشراء.

لا يقتصر الأمر على طفلك، حتى أنت يسرق انتباهك بفضل المميزات والتحديثات المستمرة للتطبيقات في الأجهزة أو الإعلانات في الطرق أو أي وسيلة أخرى، فأنت وطفلك هدف، والتطبيق المجاني يحسّن منتجاته مقابل أن يبيع معلوماتك وانتباهك للشركاء والشركات، فيخلق توجهاتك عن طريق تلك التطبيقات والإعلانات.

خذ هذا المثل، ألم تنو عملا ما، أو قراءة كتاب، أو أن تخرج لتمشي 30 دقيقة في المضمار القريب، ثم تشعر أنك تابعت مسلسلا أو تطبيقا سرق بدلا من الثلاثين دقيقة ساعتين من وقتك، هذا الذي سرق وقتك باعه لآخرين.

وإحقاقا للحق، هذه البرامج ليست سيئة مطلقا، بالتأكيد بعضها مفيد، ولعله بعض العسل في السم، أو هي السكر الذي يحلي الطعم لكن الإكثار منه مرض عضال، لكن استخدامنا لها سيئ، وهذه الإعلانات ليست شرا محضا، إنها تدلنا على العلامات التجارية الجيدة، لكن عندما ننسى أنفسنا و نملكهم عقولنا، وعندما تشدنا الأشياء الفارغة، هذا يعني أن وقتا منا يستحق شيئا آخر منحناه لمن هو أقل منا.

والأهم من هذا كله أننا «لم نقدر انتباهنا حق قدره» فمنحناه لمن لا يستحق، والنتيجة المتوقعة أن يضيع وقتك ويسرق انتباهك وقد تسرق حياتك، والسارق قد يكون زميلك الذي قد يكون أنشأ شركة تطبيقات أو إعلانات واستفاد منها، بينما أنت لا تزال مستلقيا على ظهرك تتابع نكت التيك توك، أو سنابات المشاهير، أو تغريدات فارغة، أو صفحة انستقرام لا تدخل عليك بفائدة أو أن أطفالك مثلك ومعك ضحايا مبيعات انتباهك.

أخيرا، خذ هذه المقولة القديمة الشهيرة «إذا لم تدفع شيئا مقابل الخدمة فاعلم أنك أنت السلعة».

Halemalbaarrak@