عبدالله الأعرج

الهدر في اجتماعات العمل!

الاحد - 20 سبتمبر 2020

Sun - 20 Sep 2020

أكاد أجزم بأن «الاجتماعات» من أول ما يتبادر إلى الذهن عندما يذكر العمل والإدارة والمدير.

وأكاد أجزم بذات القدر بأن اجتماعات العمل ميدان رحب لصنع القرار، وتنمية العمل، وتبادل المشورة وتقاسم الفكر، وأنها بالقدر نفسه مكان لهدر الوقت، وإتلاف الأعصاب، وتصفية الحسابات بشكل أو بآخر.

إذن دعونا نتفق على أن الاجتماعات في العمل ميدان ثنائي الأقطاب، يقدم ردما لهوة العمل ويصنع هدما أيضا، ويتحدد مقدار الردم والهدم وفقا لفلسفة المنشأة وأهدافها وطبيعة المشاركين في مجالس الاجتماعات ونمط المواضيع المطروحة على الطاولة وطبيعة إدارة الاجتماعات!

وفي دراسات متعددة كثر الحديث عن السلوكيات والاستراتيجيات التي يجدر بمن يحضر اجتماعا أن يتبعها، بدءا من الكلمة الافتتاحية وحسن الاستهلال، وطريقة طرح الفكرة وشكر الزملاء وأناقة المظهر وتجنب الشخصنة، والحديث عن الفكرة بوضوح، وعدم مقاطعة المتحدث، والتصويت بنزاهة والاعتدال في الطرح وتجنب التشكي والتذمر.

ولكننا سمعنا قليلا عن: متى يجدر بالمنظمة أن تدعو إلى الاجتماع؟ وهل الكم المهول من الاجتماعات في العمل هو حقا اجتماعات محورية أم مجرد التفاف حول طاولة لطرح مواضيع محسومة سلفا؟ أو نمطية في طبيعتها أو يمكن اتخاذ قرارات ورقية ترسل للمعنيين بها دون الحاجة إلى هدر الوقت وتكريس الجهد لإعداد المكان وترتيب الضيافة وحشد التقنية وطباعة الأوراق وتقسيم الأدوار وترتيب أماكن الحاضرين!

هذا الأمر بتقديري حظي بعناية ومناقشة لا ترقيان لأهميته على الرغم من أنه كان دوما مثار امتعاض من قبل كثير من أعضاء اللجان والمجالس في بيئات العمل، وربما جاء هذا الامتعاض على شاكلة: هل نحن فعلا بحاجة إلى هذا الاجتماع؟ لا أعلم لماذا لم ترسل هذه المواضيع ورقيا بدلا من الاجتماع؟

وعندما يقترن الاجتماع بهدر الوقت لك أن تتخيل كمية الأثر السلبي الذي سينعكس على المجتمعين، ولا سيما أن الوقت دوما العامل الأهم في حياة البشر، ولك أن تتصور أيضا مقدار التشكي الذي سيعقب مثل هذه الاجتماعات وما سيشكله هذا التذمر من صورة سوداوية في أذهان باقي أعضاء المنظمة من أن الاجتماعات في مقر عملهم مضيعة للوقت مجلبة للرتابة، ومكان رمادي لا يعول عليه كثيرا في سير المنظمة نحو آفاق ترضي تطلعات المنتسبين لها.

وللحديث عن الهدر في الاجتماعات كثير مداد، ومن أوضحه الهدر اللغوي، حيث يستفيض البعض في الاجتماعات في ديباجة التقديم وتكرار الفكرة والمدح والثناء، والتأكيد كثيرا على أمور معلومة سلفا، ويستطيل هنا وهناك في تقديم فكرة واضحة تماما ثم يقضي وقتا طويلا في محاولة لإغلاق كلمته أو مداخلته لأنه لا يحسن ذلك!

وهنالك الهدر التنظيمي الذي يظهر كمحصلة لسوء الإعداد والترتيب للاجتماع، ومن ملامحه: عدم وجود أجندة للاجتماع، وسوء الالتزام بوقت البدء وحصص المشاركين وختام اللقاء، وكذلك مشاكل التقنية غير المحسوبة سلفا، وغياب سكرتارية الاجتماع الفاعلة، والضيافة السيئة أو المبالغ فيها، وتواضع رصد التوصيات وعدم وضوحها للمشاركين.

وهنالك أيضا الهدر المالي والاقتصادي، فليس كل اجتماع مضنة الأهمية، ولا سيما أن كثيرا من الاجتماعات تتم بمقابل مالي للمجتمعين، وحينما يكون الاجتماع مدفوعا فإن هذا يقتضي أن يكون اللقاء مهما ومحوريا وذا قيمة تستحق تلك المنصرفات التي خصصت له.

وما أجمل التقنية التي ما انفكت تحل لنا ما استعصى من أمور حياتنا المعاصرة، ومنها الاجتماعات عن بعد التي تكون فيها التقنية تماما كريشة الرسام، فتراها تنقل الحديث من عضو إلى آخر وتحدد الوقت وتقدم العرض وتسجل الكلمات وتأخذ المجتمعين في فضاءات أخرى، منها الصوتي ومقاطع الفيديو، وتحدد وقت اختتام الجلسة تماما كما حددت بدايتها.

مجمل القول أن كل منظمات العمل مدعوة لمراجعة سلوكيات الأداء الإداري في بيئات العمل، ومنها الاجتماعات وتحويلها من مجرد ملتقيات روتينية ومتواضعة أحيانا إلى خلايا عمل منضبطة وفاعلة ومنظمة، لتكون مخرجاتها على قدر آمال المنتسبين للمنظمة، ولتكون مرجعا يحظى بتقدير وهيبة واحترام الجميع بما تقدمه لهم من نتائج وقرارات وتوصيات، والسلام.

@dralaaraj