زيد الفضيل

وطن حتى القمة

السبت - 19 سبتمبر 2020

Sat - 19 Sep 2020

يحتفي وطننا بعد يومين بذكرى يومه الوطني الـ 90 في أجواء احتفالية خاصة، حيث نعيش عهدا متسما بالقوة والمتانة بترؤسنا قمة العشرين العالمية، وهي أهم قمة سياسية واقتصادية في الوقت الراهن، كما يأتي هذا اليوم ليؤكد تلك المبادئ والقيم التي انطلق منها الآباء المؤسسون بقيادة الملك عبدالعزيز يرحمه الله في بناء هذا الوطن الشامخ، وحرص خلفاؤهم من بعدهم بقيادة من سبق من الملوك يرحمهم الله، وصولا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، يحفظهما الله؛ على تعزيز تلك القيم والمبادئ سنة بعد سنة، وجيلا بعد جيل، وتلك نعمة يمن الله بها علينا.

لقد عاشت الجزيرة العربية قرونا طويلة وهي مفككة وفي حالة من عدم الاستقرار والتجانس بين قراها ومدنها على مختلف أقاليمها شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، ولم تنعم هذه الجزيرة بأي وحدة سياسية منذ خروج عاصمة الخلافة من المدينة المنورة إلى الكوفة على عهد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فدمشق عاصمة الأمويين بعد ذلك، ثم بغداد التي بناها أبو جعفر المنصور لتكون عاصمة للعباسيين.

من حينه لم تعرف شبه الجزيرة العربية أي وحدة سياسية بينها، فتفتت إلى أقاليم متباعدة ومستقلة بعضها عن بعض، حتى كان عهد الملك المؤسس عبدالعزيز الذي تمكن بعزيمته وإصراره، ومهارته وحكمته السياسية من أن يوحد ما تخالف عبر قرون، ويجمع شمل أربعة أخماس جزيرته العربية في كيان سياسي واحد، أطلق عليه منذ عام 1932م اسم «المملكة العربية السعودية».

هكذا تشكل هذا الوطن، وأخذ يصنع هويته الجامعة، لتنصهر النفوس شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، بجبالها وسهولها، بمائها وصحرائها، بحضرها وبدوها، بقراها ومدنها،

بألوانها وأعراقها، بلهجاتها وسحناتها المختلفة، بتقاليدها وتراثها المنوع؛ تنصهر كلها في بوتقة واحدة لينتج عنها شعب متجانس بهوية جامعة، وروح خالدة، وهمة عالية.

ولعمري فذلك هو قيمة وهدف الاحتفاء بذكرى اليوم الوطني كل عام.

نحن نحتفي لنتذكر كيف كنا أمة متباعدة وأصبحنا أمة متماسكة، لنتذكر كيف كان الفقر ينخر في عظامنا فأصبحا ننعم بفضل الله في رخاء ننثر خيره على غيرنا شكرا

واحتسابا، لنتذكر كيف كنا في خوف وخشية من جائع يتسلل ليلا ليلتقط ما تناثر هنا وهناك سدا لجوعه، فأصبحنا آمنين بأمان الله ثم بأمان الآباء المؤسسين بقيادة الملك عبدالعزيز ومن خلفه من ملوك هذا الوطن ورجالاته وصولا إلى هذا العهد الميمون بحمد الله ونعمته.

إنه الوطن الذي صنع ملامحه رجال الرجال، وساهم في تأسيسه نخبة من رجال الدولة، أولئك الذين تميزوا بحكمتهم ووعيهم ونظرتهم الثاقبة وبعد إدراكهم، فكانوا خير من عمل وأدار، وأفضل من استشار، ولم يكن وجودهم في أماكنهم عبثا ساقته الصدفة، وإنما كان اختيارا موفقا من حكيم مؤسس، وخلفاء كان ولا يزال هدفهم تحقيق التنمية بأعلى متانتها، رغبة في التميز، ووصولا إلى ذرى القمة، وهو ما نعيش ثماره اليوم ونحن نحتفي برئاستنا لقمة العشرين بكل ما في ذلك من دلالة ومعنى.

إنه الوطن الذي علينا المحافظة عليه بعيدا عما يخدشه من انتماءات طبقية مكروهة، وتعبيرات عنصرية مرفوضة، وتفرقة طائفية مذهبية مقيتة، وعنصرية مناطقية تهدم ولا تبني، إلى غير ذلك مما يوهنه ويقض من مضجعه، وتلك والله جريمة كبرى في حقه وحق قادته ورجاله المؤسسين.

إنه الوطن الذي يجمعنا بإباء، ويحمينا من عبث العابثين، وجور السنين، فلنحافظ عليه بوعينا واهتمامنا وإيماننا بالكفاءة العملية معيارا للتفاضل، وإدراكنا بأن قوتنا في تعزيز جودتنا وليس في التماهي مع ما يفرضه الشارع ووسائط التواصل الاجتماعي من قيم تافهة، وسماجة مخلة، وفق ما يظهره بعض مشاهير السناب، ويكون سببا لاحتفاء مؤسسات الترفيه وغيرها بهم للأسف، في الوقت الذي نتجافى فيه عن المثقفين وقامات العلم والمعرفة، وأساطين الفنون والمسرح السعودي، الذين لم يُغرقوا أنفسهم في سطوة وسائط التواصل الاجتماعي، وانكبوا على خدمة وطنهم بما يجب ويستحق، فهل من العدل أن يتم إقصاؤهم؟ وهل يستحق وطننا أن يمثله التافهون ويقودوا دفته على الصعيد المجتمعي؟ حتما الإجابة بلا، وحتما وطن كوطننا متجذر في عمق التاريخ يستحق أن يمثله الأفضل والأكفأ وصولا إلى القمة.

@zash113