زيد الفضيل

العروبة والعائلة الإبراهيمية

السبت - 05 سبتمبر 2020

Sat - 05 Sep 2020

حال إعلان الرئيس الأمريكي ترمب للاتفاق الإبراهيمي كما أسماه وهو اتفاق السلام بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، تذكرت على الفور مشروع بناء صرح يجمع بين الديانات السماوية الثلاث وهي الإسلام والمسيحية واليهودية، ويدعى بيت العائلة الإبراهيمي، الذي تم تدشينه العام الفائت في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وسيضم كنيسة، ومسجدا، وكنيسا يهوديا.

وحتى أكون منصفا فقد كنت ولا أزال من الداعين إلى تعزيز أواصر التقارب بين أتباع مختلف الديانات السماوية انطلاقا من قول إلهي كريم، وإيمانا بأسس وضوابط العدالة والحقوق الإنسانية التي بها تنهض الأمم، وتأسيسا على مشروع تاريخي قام به نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حال هجرته إلى يثرب وفيها بعض قبائل يهود، حيث أصدر أول وثيقة كونية للحقوق المدنية أطلق عليها اسم «صحيفة المدينة» ونص فيها على أن اليهود والمسلمين أمة واحدة؛ ولم تكن المسيحية بمنأى عن حياة نبينا الذين عرفهم من قبل، ثم انتخب مارية لتكون زوجته، ويريد الله أن ينجب منها فلذة كبده إبراهيم، ليكون مذكرا ومؤكدا على المرجعية النسبية الواحدة للديانات السماوية الأربع وهي اليهودية والمسيحية والصابئة وأخيرا الإسلام.

والسؤال: هل يؤمن الآخرون بما يؤمن به المسلمون عقيدة في دينهم؟ وأقصد تحديدا، هل يؤمن اليهود بالوجود الإسلامي ناهيك عن المسيحي والصابئي؟ أتصور أن ذلك هو لب الإشكال، وهو ما يريد المتدينون اليهود القفز عليه بوجههم العلماني الذي لا أظن أنه سيصمد كثيرا خلال هذا القرن.

أشير في هذا الإطار إلى أن العائق الرئيس للوجود اليهودي لم يكن متمثلا في الجانب الديني، وإنما في الهوية القومية الحاكمة لعرى المنطقة، وهي هنا الهوية العربية الجامعة للمسلمين والمسيحيين، ولهذا كان ولا يزال تفريغ عرى المنطقة من ذلك الثابت العروبي الرابط لعراها هدفا استراتيجيا لدى الكيان الصهيوني، وقد نجحوا في ذلك من قبل مع القضية الفلسطينية ذاتها، تلك التي تم تحويرها خلال القرن العشرين من مشروع وطني لشعب عربي تم احتلاله وطرده من أرضه، ويناضل إنسانه من أجل استرداد حقه والعيش بكرامة وحرية، إلى قضية دينية خاصة بالمسلمين فقط، ليتم تهميش العرب المسيحيين أولا، ثم ليظهر اليهودي أمام الإعلام الغربي بمظهر الضعيف أمام صلف المنظمات الدينية الإسلامية، وللأسف فقد انساق خطابنا وراء ذلك المخطط، ولم ندرك بجهلنا أن الوجدان الإنساني ينفر من أي ملمح لصراع ديني، وهكذا فقدنا أهم مكون في النضال وهو المكون العروبي حال استبسالنا في استرداد حقوقنا المشروعة.

في هذا السياق أؤمن بأن العروبة بما تعنيه من قيمة ومرتكز حضاري هي ميثاقنا الأعظم التي أسس قواعدها ابتداء نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في «صحيفة المدينة»، وهي قبل أن تكون عرقا ومحتدا، هي لغة وثقافة، ولهذا انضوى تحت لوائها أجناس متعددة، وباتوا جزءا منها أدبا ومعرفة، وكانت الجامع لثلاث ديانات سماوية وهي الإسلام والصابئة والمسيحية، وهي الجامع كذلك لعرقيات متنوعة كالكرد والتركمان والآشور وغيرهم في المشرق العربي، علاوة على الأمازيغ في المغرب العربي وما جاورهم من القبائل الإفريقية، ممن اختاروا اللغة العربية مسارا ثقافيا لهم، بل وهي المرجع الكتابي لعديد من اللغات كالفارسي والأوردو والتركي القديم (العثماني).

ولم يكن ليشذ عنها خلال مختلف القرون التاريخية سوى اليهود، الذين ترسخ في ذهنهم أنهم شعب الله المختار، وأنهم من جينة مختلفة عن الناس، فكان ذلك مدعاة لعدم انفتاحهم على الآخر وقبولهم به، وسببا لينكفئوا على أنفسهم في مستوطنات معزولة طوال استقرارهم ضمن المحيط العربي، ولا يزالون على حالهم حتى بعد احتلالهم لأرض فلسطين وتأسيسهم لكيانهم السياسي، حيث استأنسوا العيش ضمن مستوطنات معزولة أيضا، ولهذا ولضمان بقائهم ـ كما يتصورون ـ كان لا بد لهم أن يعملوا على تغيير المنظومة العربية الثقافية أولا، ثم إيجاد بديل هلامي كفكرة الأسرة الإبراهيمية ينضوي تحت لوائها أبناء المنطقة العربية، من بعد أن اكتووا بنار التشدد الديني، وتم تفريغهم من هويتهم العروبية لغة وثقافة، فكرا ومشروعا، بل وظهرت من بينهم أصوات مشبوهة أخذت تؤسس لمصطلح عنصري تفكيكي وهو مصطلح «أمصاري» كمسمى لكل عربي من غير سكان الجزيرة العربية، ولعمري فذلك هو غاية المشروع الصهيوني ليخرج من حصونه مستأسدا ومحققا أهدافه، فهل من مدرك واع؟.

zash113@